سياسة النفط السعودية واضحة جدا لا تقبل التأويل

ليس غريبا أن يشهد إنتاج المملكة من النفط الخام طلبا مرتفعا على الصعيد العالمي. إنه سلعة مرغوبة عالميا منذ عشرات السنين، إلى جانب قدرة السعودية على تلبية أي طلب بصرف النظر عن حجمه. وكما هو الحال على مدى عقود، فإن الطلب على النفط الخام يرتفع في فترات وينخفض في فترات أخرى، وهذا يشمل كل المنتجين على الساحة، سواء داخل منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) أو خارجها. والسعودية لم تتأخر يوميا في تلبية الطلب ليس فقط لتوريد نفطها، ولكن في سبيل المحافظة على التوازن، خصوصا عندما يشهد هذا التوازن اختلالا لسبب أو آخر. يضاف إلى ذلك أن سياسة السعودية النفطية واضحة جدا، ولم تتبع أي سياسات غير معلنة منذ اليوم الأول لبدء تصدير النفط منها.
وعندما أطلقت السعودية مبادرتها العالمية لضمان استقرار مستدام للسوق النفطية، لم تضع في اعتباراتها الخسائر التي ستصيبها في مرحلة التصحيح، بل ركزت على مصلحة السوق العالمية ككل، التي في النهاية تصب في مصلحة أي بلد منتج للنفط، يطرح إنتاجه وفق المعايير العالمية المعروفة، وليس من "تحت الطاولة". ومن هنا، لا يمكن توجيه أي لوم للمملكة؛ لأن عملية التصحيح التاريخية الراهنة نالت سلبا منها، غير أنها أصرت على المضي قدما إلى أن يتحقق التوازن المطلوب بين العرض والطلب. وهذا أفضل ما يمكن تقديمه ليس فقط للمنتجين بل للبلدان المستهلكة للبترول أيضا. وعلى الرغم من تمسكها بهذه السياسة الواضحة جدا، فقد قبلت أن تتحاور لدراسة الإنتاج العالمي الراهن، لكنها اصطدمت بالموقف الإيراني المتلاعب، بل غير المتعاون في هذا المجال.
وفي كل الأحوال تسير الأمور في السوق النفطية وفق ما تم التخطيط له. هنا فائض كبير في السوق العالمية ينبغي أن ينتهي لتبدأ مرحلة التوازن بين العرض والطلب، بصرف النظر عن ارتفاع الطلب أو تراجعه الموسمي الطبيعي. وارتفاع إنتاج المملكة من النفط في الأسابيع الماضية، ليس مخصصا فقط لتلبية نمو الطلب العالمي (وفق الموسم)؛ بل لأن الطلب المحلي ارتفع أيضا بفعل أشهر الصيف مرتفعة الحرارة. ومع ذلك، فإن الزيادة التي حدثت في الفترة المذكورة، تبقى أقل بصورة لافتة من الزيادات السابقة خلال فصول الصيف الماضية. وتأكيدات وزير الطاقة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح واضحة بهذا الشأن. فقد شدد على أهمية هذه المرحلة من ناحية تصريف المخزونات الكبيرة، الأمر الذي يتطلب وقتا ربما يكون طويلا.
ومما لا شك فيه أن الاجتماع المرتقب لمنتدى الطاقة الدولي في الجزائر الشهر المقبل، سيحدد شيئا من آفاق المرحلة المقبلة حيال النفط الخام، خصوصا إذا ما تعاونت البلدان النفطية خارج (أوبك) مع الحراك الهادف إلى وقف نزيف أسعار النفط. غير أن هناك بلدانا تبقى خارج نطاق الموافقة على أي تحرك جماعي عادل، وهو ما يتسبب عادة في عدم التوصل إلى اتفاقات، تماما كما حدث في اجتماع الدوحة الأخير، نتيجة تخريب ممنهج من جانب إيران، ولعب تحت الطاولة من جهة بلدان خارج المنظمة النفطية. وفي النهاية، يمكن للمملكة أن تتحمل أي ضغوط ناتجة عن تردي الأسعار، إلا أن بلدانا بعينها لا تستطيع أن تصمد طويلا في هذا المجال.
لا بد من التعاون، والذي لا يريد ذلك ليتحمل الآثار السلبية الناتجة عن تردي أسعار النفط، بل لنقل الآثار الخطيرة على اقتصادات بلدان مهزوزة أصلا. لقد انتهى زمن تحملت فيه السعودية بإرادتها الكثير من أجل سوق نفطية متوازنة. على الجميع أن يشارك في إعادة التوازن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي