السعودية في «اليونسكو» .. منجزات للعرب والمسلمين
على مدى عشر سنوات تقريبا، وضعت السعودية كثيرا من القيمة المضافة لعمل منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو)، على مجموعة من الأصعدة، لعل من أهمها زيادة قوة الدفع للغة العربية لا لتكون حاضرة في المشهد، بل لتتقدم إلى الأمام بين اللغات الحية الأخرى. إضافة طبعا إلى عديد من المشاريع التعليمية والثقافية التي وضعت السعودية اسمها بفخر عليها. والمملكة لا تحصر أي إنجاز تقوم به على صعيد هذه المنظمة الدولية المهمة بها، لأنها تتحرك من مفهوم قديم لها، يرتكز على دعم الحراك الثقافي العربي والإسلامي، واعتبار أي إنجاز تقوم به إنجازا للعرب والمسلمين قاطبة. لا تعرف الأنانية هنا، كما أنها لا تعرفها في ساحات أخرى في المشهد العالمي. وما زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للمنظمة في سبتمبر 2014 وإلقائه خطابا أمام ممثلي 195 دولة، ثم تبعه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حينما وضع ضمن أجندة زيارته الرسمية في رمضان الماضي، وهي المرة الأولى التي يضع فيها مسؤول سعودي كبير ضمن برنامج زيارته لباريس، زيارة لمنظمة اليونسكو، إلا تأكيدا على الأهمية التي باتت تعنيها منظمة اليونسكو للسعودية حكومة وشعبا.
لقد عكس نشاط مندوبية المملكة الدائمة لدى اليونسكو التصور العام للبلاد على صعيد ما يمكن وصفه بـ"تنمية الثقافة والتعليم والتراث" بصورة تخدم الهدف الأسمى للأمتين العربية والإسلامية. ونفذت هذه البعثة بحرفية عالية الجودة سلسلة من المشاريع الكبرى على مدى عقد كامل. وكلها مشاريع راسخة ومستدامة، والأهم أنها تضيف مزيدا من القيمة على الساحة العالمية وفق المستهدف منها. والبرامج والمشاريع السعودية على صعيد اليونسكو حققت كل الأهداف المرجوة منها، وعززت في الوقت نفسه من نفوذ السعودية داخل هذه المنظمة الدولية، حيث أظهر استطلاع صدر في عام 2013، وتوصل إلى أن السعودية هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة بين البلدان العشر الأكثر نفوذا في اليونسكو. ومرة أخرى، هذا النفوذ، هو في الواقع نفوذ راسخ للعرب والمسلمين في هذا المجال الحيوي.
والبرامج التي أطلقتها المملكة من خلال ساحة هذه المنظمة الدولية تشتمل على جانب يمثل الآن هدفا لكل دول العالم، وهو الحوار والسلام. وقد قام "برنامج الملك عبد الله لتعزيز ثقافة الحوار والسلام" بدور حيوي فاعل في هذا المجال، من خلال سلسلة من النشاطات واللقاءات والدراسات البحثية. وهذا البرنامج ليس سوى امتداد طبيعي للسياسة العامة للسعودية، التي أولت الحوار بين الحضارات والثقافات أهمية كبيرة ليس فقط من الناحية النظرية، بل من الجهة العملية، خصوصا في ظل تنامي مفاهيم التطرف في بعض مناطق العالم، التي ضللت بالفعل شرائح من الناس في السنوات القليلة الماضية. كان لابد أن تتقدم السعودية من أجل وضع المفاهيم الحضارية والإنسانية في سياقها الصحيح.
الإنجازات التي تحققت على مدى عشر سنوات من خلال البرامج السعودية متعددة، وهي لم تتوقف حتى بعد أن حققت أهدافها، وذلك انطلاقا من مفهوم المتابعة والاستدامة. ومن هنا يمكن النظر إلى نجاح الرياض في وضع اللغة العربية في المركز الثالث بعد الإنجليزية والفرنسية ضمن لغات اليونسكو الدولية الست، بعد أن كانت في المرتبة الخامسة. ولهذه النقطة دلالات كثيرة، أهمها أنها وفرت حصانة أخرى لهذه اللغة، فضلا عن توفير الأدوات للمبدعين والمفكرين والأدباء فيها للوصول إلى أوسع نطاق عالمي ممكن. المبادرة السعودية هذه، أفرزت احتفالا سنويا باللغة العربية يجري في الثامن عشر من كانون الأول (ديسمبر). وكانت مبادرة مباشرة في الواقع من الدكتور زياد الدريس مندوب المملكة الدائم في "اليونسكو" الذي يبذل ولا يزال جهودا نوعية هدفها مزيد من النجاحات لبلاده مع إسهاماته الفعالة في الوصول برسالة هذه المنظمة إلى العالم أجمع.
كثير من المشاريع التي تحققت شملت أيضا، تأسيس مركز اليونسكو العربي للجودة في التعليم، ومقره مدينة الرياض، ليكون مرجعا إقليميا عربيا في جودة التعليم، وتأسيس 13 كرسيا أكاديميا بين المنظمة ونخبة من الجامعات السعودية في مختلف التخصصات الإنسانية والتطبيقية المنسجمة مع اختصاصات اليونسكو، ناهيك عن دخول السعودية "لائحة التراث العالمي في عام 2008 في موقع مدائن صالح، ثم في 2010 الدرعية القديمة، ثم في 2014 جدة التاريخية، وفي 2015 النقوش الصخرية في حائل، وما زال هناك عدد من المواقع السعودية التراثية المرشحة تحت التقييم في المنظمة تباعا.
إنها منجزات لا تخص العرب والمسلمين، كما لا تخص المملكة فقط بل تخص الإنسانية ككل.