رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التمويل الاستهلاكي هل هو مؤشر للاستقرار المالي للأفراد؟

في تقرير لصحيفة "الاقتصادية" بعددها رقم 8339 يوم الأربعاء السابع من ذي القعدة 1437هـ، "بلغ إجمالي القروض الاستهلاكية في السعودية بنهاية الربع الثاني من العام الجاري نحو 353.4 مليار ريال، مسجلة نموا نسبته 8 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بما يعادل 25 مليار ريال، فيما ارتفعت بنسبة 1 في المائة مقارنة بنهاية الربع الأول من العام الجاري أي ما يعادل 3.6 مليار ريال. وتشمل القروض الاستهلاكية سبعة أقسام إضافة إلى بطاقات الائتمان وهي "تحسين وترميم العقارات" و"الرعاية الصحية" و"التعليم" و"أثاث وسلع معمرة" و"سيارات ووسائل نقل شخصية" و"سياحة وسفر" و"أخرى".
التمويل والقرض الاستهلاكي في العموم قد لا يكون ظاهرة إيجابية في جميع أحواله، بل قد يكون أحد مظاهر السلوكيات السلبية التي يميل إليها البعض لمزيد من الإنفاق الذي يفوق إمكاناته، ويؤدي بصورة أو أخرى إلى آثار سلبية عليه مستقبلا، باعتبار أن ما أخذه اليوم من المال سيؤدي إلى تقلص في الدخل لديه بنسبة تصل إلى أكثر من 30 في المائة، ولكن صور استخدام التمويل الاستهلاكي ليست بالضرورة سلبية، فمن خلال تقسيمات التمويل الاستهلاكي نجد أن منه ما يصرف على الرعاية الصحية، وآخر على التعليم، إضافة إلى الأثاث والسلع المعمرة والسيارات وتحسين وترميم المنازل، وجزء من هذه الأقسام قد يكون ضرورة أو حاجة للأفراد، أما الجزء الآخر منها فهو ما يضم ديون البطاقات الائتمانية أو ما يكون بغرض السياحة والسفر إضافة إلى بعض صور شراء الأثاث والسيارات والسلع غير الضرورية أو السلع الضرورة، ولكن قد تكون بأسعار عالية تعد شكلا من أشكال التمويل الاستهلاكي السلبي، وهذا ليس هو محل نقاش هذا المقال.
نمو التمويل الاستهلاكي قد يكون مؤشرا إيجابيا على حالة السوق في المملكة، فرغم أن جزءا كبيرا منه يعد سلبيا من جهة أنه مؤشر على مبالغة البعض في الاستهلاك، إلا أنه قد يكون في المقابل مؤشرا إيجابيا على مستوى الثقة لدى المستهلكين، وأن أوضاعهم المالية مستقرة، ولم تتأثر كثيرا فيما يتعلق بانخفاض أسعار النفط والإجراءات الحكومية الجديدة فيما يتعلق بالمتغيرات في أسعار الوقود والاتجاه الحكومي إلى تخفيض حجم الدعم بشكله الحالي، حيث يكون تركيزه أكبر على الفئات التي تحتاج إلى ذلك الدعم، خصوصا عندما ننظر إلى التمويل الخاص بالسياحة والسفر نجد أنه نما من 85 مليار ريال في الربع الثاني من العام الماضي إلى 99 مليار ريال في الربع الثاني لهذا العام، وهذا نمو ـــ كما أشار التقرير ـــ بنسبة 24 في المائة، كما نما الخاص بالتعليم والرعاية الصحية بنسبة 57 في المائة للتعليم و149 في المائة للرعاية الصحية. قد لا يكون لدينا بالضرورة مؤشرات تتعلق بثقة المستهلكين بالاقتصاد، ولكن ممارسات مجموعة من المستهلكين قد تكون مؤشرا ويمكن الاستفادة منها فيما يتعلق بثقة المستهلكين عن الحالة الاقتصادية بصورة عامة، إذ إن ثقة المستهلكين واطمئنانهم لحالة الاقتصاد هو ما يدفعهم إلى الإنفاق أو الإحجام عن طلب التمويل الاستهلاكي، كما أن المصارف عندما يكون لديها عدم ثقة بحالة مجموعة من المستهلكين المالية فإنها لن تقدم على إقراضهم أو تمويلهم، وكلا العاملين مؤشر على مسألة الثقة لدى المجتمع بالاقتصاد، ولا يرون أن هناك ما يؤثر فعليا في ظروفهم المالية بصورة مباشرة. قد يرى البعض أن نتائج قطاع التجزئة يعكس بصورة أكبر حالة وثقة المستهلكين، ولكن هذا لا يمكن تعميمه، فكما هو معلوم أن كثيرا من المشاريع التنموية اكتملت تقريبا، وليس هنا توجه لإطلاق مشاريع حكومية كبيرة خلال هذه الفترة الحالية بحجم ما تم خلال العقد الماضي، وهذا يؤثر في قطاع التجزئة؛ إذ إن جزءا من عوائده ناتج عن مثل هذه المشاريع، ولكن يعد مؤشرا بشكل أو بآخر، ولا يمكن استثناؤه من هذه المعادلة.
مؤشر ثقة المستهلكين مهم جدا، وهو يعكس مستوى من الشفافية التي تشجع كثيرا من المستثمرين على الاستثمار في السوق في المملكة، خصوصا في قطاع التجزئة الذي يتأثر باتجاهات المستهلكين، كما أن مثل هذه المؤشرات قد تكون مطلبا لكثير من الشركات الأجنبية التي لها اهتمام بالاستثمار في السوق بالمملكة.
فالخلاصة ارتفاع حجم القروض أو التمويل الاستهلاكي قد يكون مؤشرا على حالة الاستقرار المالي لدى عامة الأفراد في المجتمع، إضافة إلى ثقة المصارف وشركات التمويل بالملاءة المالية لدى عملائهم، وإن كان كثير من هذا التمويل يذهب إلى قطاعات غير ضرورية وتؤثر في الحالة المالية للأفراد، ويبقى أن وجود مؤشر لثقة المستهلكين له أهمية تزيد من مستوى شفافية حالة الاقتصاد، ما قد يكون له أثر إيجابي في تشجيع تدفق مزيد من الاستثمارات في قطاع التجزئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي