المستهلكون الجدد .. من هم وماذا يريدون؟
يمتلك مواطنو دول البريك المال والوضع الاجتماعي والمعلومات والإحساس الناشئ بنمط الحياة الباذخة... لقد بلغوا سن الرشد الآن.
لا تزال الولايات المتحدة أكبر سوق للكماليات المحلية، فقد أنفق المستهلكون 48 مليار يورو على الكماليات العام الماضي، لكن سرعان ما تفوقت الأسواق الناشئة بما تشهده من تسارع كبير في الإنفاق على الكماليات.
وتحديدا، فإن الإنفاق على السلع الكمالية في الصين تضاعف تقريبا بين عامي 2009 – 2011، فوصل إلى 13 مليار يورو، وفقا للإحصاءات الصادرة عن مؤسسة باين وكومباني، وهذه ليست الصورة الكاملة: عندما تضم المتسوقين الصينيين في هونج كونج، وماكاو، وتايوان، (حيث الأسعار أقل) والسائحين الصينيين الذين يفتحون محافظهم خارج آسيا، فإن مجموع الإنفاق الصيني على الكماليات في العام الماضي قد بلغ نحو 40 مليار يورو على المستوى العالمي.
تتصدر الصين مجموعة دول البريك، لكن باقي دول المجموعة تشهد حالة من الازدهار أيضا. لقد ازدادت مبيعات السلع الكمالية في الشرق الأوسط 12 في المائة في العام الماضي، وشهدت البرازيل زيادة 50 في المائة، بينما قُدِّرت مبيعات الروس من السلع الكمالية بأكثر من أربعة مليارات دولار في العام الماضي. جدير بالذكر أن هذه المبالغ المالية لم تأتِ من أصحاب الثراء الفاحش فقط.
يقول فريدريك جودارت، أستاذ السلوك التنظيمي في إنسياد: "ليس المستهلكون الأثرياء فقط هم من يطلبون مثل هذه السلع، إنها ظاهرة اجتماعية - صعود الطبقة الوسطى. ويحدث هذا عندما تبدأ في التفكير في الوضع الاجتماعي، وأنواع السلع التي يمكنك شراؤها لتتظاهر أمام جيرانك بأن لك وضعاً اجتماعياً معيناً. يريد هؤلاء المستهلكون التعبير عن أكثر من ذلك: الوضع الاجتماعي والأُبهة".
تصاعد وتيرة التغيير وارتفاع مستوى الرقي لدى هؤلاء المستهلكين جاء نتيجة لزيادة الاتصالات ومصادر المعلومات، وذلك من خلال شبكة الإنترنت، والقنوات التلفزيونية العالمية، والمطبوعات والإعلانات الدولية، وسهولة السفر. يقول جودارت: "يعرفون الأسعار، وما يمتلكه أصدقاؤهم، وجديد الموضة".
ولا تقتصر صفقات المستهلكين على المتاجر المحلية، فقد وصل عدد زوار دبي مول وحده في العام الماضي إلى 54 مليون زائر، وهو أكبر من عدد الزائرين لمدينة نيويورك، وهنا يجتمع العرض والطلب معاً لإيجاد بيئة جديدة. ففيما يحتاج معظم مواطني الدول النامية إلى تأشيرات دخول إلى فرنسا وإيطاليا (ما يجعل التسوق في أسواق الكماليات العالمية عملية معقدة)، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تجعل من رحلة التسوق إلى دبي مول غاية في السهولة: يستطيع مواطنو دول البريك الحصول على تأشيرة عبور لمدة 96 ساعة (أربعة أيام) فور وصولهم المطار، وذلك مقابل 250 درهما إماراتيا؛ (أي ما يعادل 50 يورو).
لقد أدى هذا الطلب بدوره إلى موجة من النشاط في الأوساط الإبداعية، وأوجد فضاءً تجارياً أكثر جاذبية ورحابة. يقول جودارت: "ينبغي أن تتكيف تجارة التجزئة المحلية مع هذه الموجات من الزبائن القادمين من الصين وروسيا وأماكن أخرى".
وهذا يعني أن هنالك ضرورة إلى تغيير فضاء التجزئة ذاته، معماريا في بعض الأحيان. ويشير جودارت إلى أنه "في الشرق الأوسط، على سبيل المثال، يتسوق الناس على شكل مجموعات، الرجال والنساء بشكل منفصل، يختبرون الأشياء معا، ويتناقشون حولها قبل الشراء، إنه قرار جماعي، لذلك فإنك تحتاج إلى غرف واسعة لقياس الملابس".
العلامات التجارية ذاتها بحاجة إلى التكيف مع هؤلاء الزبائن الجدد، وهنا، يتمثل التحدي في مدى التكيف الممكن دون إضعاف العلامة التجارية، وذلك من خلال تحقيق التوازن بين طلب الأسواق الناشئة وعرض العالم القديم. ويشير جودارت إلى حكاية بيرلوتي، وهي شركة إيطالية لصناعة الأحذية الرجالية، التي لم تترك أحذيتها ذات الرباط انطباعاً جيداً لدى الناس في رمال الشرق الأوسط.
ويوضح جودارت قائلا: "عَمِل الموزع في المنطقة مع بيرلوتي لصناعة الصندل، كان ذلك تحديا في البداية؛ لأن النموذج الأول أظهر إصبعين فقط من أصابع القدم، وهو ما يُعتبر في المنطقة نموذجا خاصا بالنساء، فلم يشتره الرجال، ولذلك فقد صنعت شركة بيرلوتي نموذجا يُظهر أصابع أكثر، وكان هذا النموذج ناجحاً. ولم يسبق لهذه الشركة أن صنعت الصندل إلا عندما دخلت سوق الشرق الأوسط"، وها هي قد أصبحت الآن صنادل شعبية، وتبدأ أسعارها من 780 يورو للزوج الواحد.
الحديث هنا حول المزاوجة بين الموضة والتقاليد. لقد جَرَّدت الثورة الثقافية المواطنين الصينيين من أزيائهم المعتادة، وأحدثت بذلك طلبا متزايدا على الألوان والموضة، أما في الشرق الأوسط، فما زالت العباءة حاضرة بشكل كبير، ويمكن أن يصل ثمن عباءة الديور إلى آلاف الدولارات.
ويشير جودارت إلى أن "الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة قال ’عندما تظهر الموضة، تختفي التقاليد‘، وهذا ما ينطبق على الصين، ولكن في مواقع أخرى، فإنك تجد مزيجا من التقاليد والحداثة"، ويضيف: "ثمة تمييز في الشرق الأوسط بين المكان العام والمكان الخاص، ولا تظهر الموضة إلا في المكان الخاص، مع العائلة والأصدقاء المقربين، وهذا ما يُفسر الأهمية الكبيرة للإكسسوارات في الشرق الأوسط، هي أشياء ’خارجية‘، فحقائب اليد والنظارات الشمسية، على سبيل المثال، يمكن أن تكون أشياء عامة، لا دخل لها في التقاليد".
ويرى جودارت أن "الصينيين في وضع يسمح لهم بإحياء الأسماء القديمة التي كانت مستخدمة في عالم الكماليات قبل 100 سنة، ويمكنهم أيضا ابتداع علامات تجارية جديدة، مثل شانج شيا، لكن العلامة التجارية عادة ما تحتاج إلى بعض الوقت لتبلغ أشدها في عالم الترف الحقيقي، ربما 25 سنة، مع أن كل شيء يتحرك بسرعة هذه الأيام".
*جامعة إنسياد