الطائف المأنوس
تعيش هذه المدينة الحالمة على قمة جبال السروات. هنا في الحجاز اجتمعت كل الأجناس وتوافد الناس من كل مكان طلبا للرزق والعلم والجمال. هنا عاشت أجيال ممن وجدوا أحلامهم تتحقق، ورأوا علاقاتهم وصداقاتهم تزدهر. الطائف مدينة أشبه بالحلم الجميل.
اجتمعت في الطائف مزايا جعلتها المصيف المختار للملك عبد العزيز - رحمه الله، وكانت كذلك المدينة التي احتضنت أغلب مدارس القوات المسلحة، لعلها المدينة الوحيدة التي تستطيع أن تفخر بجمع السياحة والإدارة في بدايات تكوين المملكة العربية السعودية الحديثة.
فقدت الطائف الكثير عندما تحدتها مدن أخرى في مجال السياحة، وعندما نافستها مدن أخرى المركز السياسي كعاصمة صيفية، وعندما انتشرت القوات المسلحة على مساحة البلاد لتنشئ مدنا وقلاعا تحمي الوطن وترعى أبناءه وتنشر الحضارة فيه.
أذكر أن الطائف كانت تتحول إلى خلية نحل ما إن يحل الصيف. فهي مقصد الدولة والوزارات التي اشتهر مجمعها الحكومي كمرسخ لمكانة الطائف الرسمية الموسمية. إن انتقال كل الوزارات إلى الطائف كان يعني المزيد من السطوع والعلاقات الاجتماعية الجديدة كل عام.
أذكر أننا كنا نعرف كثيرين ممن يفضلون أحياء معينة، فيصبحون جزءا من هذه الأحياء لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر. في تلك الأثناء لم يكن أهل الطائف ولا المدن الأخرى يغادرون بسبب الصيف. ما عنى الكثير لأبناء المدينة الذين يمارسون كل أنواع العمل في الصيف، ويفخرون بعلاقاتهم وجيرانهم الموسميين.
بساطة الأشياء والأماكن، وصدق المحبة بين الناس جعلت المدينة خلية حقيقية في الصيف. ثم كانت تأتي منتجات مزارع الطائف من العنب والرمان وغيرهما التي لا يضاهيها منتج في أي مدينة بسبب الموقع الجغرافي والعناية الدائمة من قبل السكان، فتجعل من الصيف حالة مختلفة عن أي مكان آخر.
لا تزال الطائف تحافظ على بعض الألق السابق ولعل بقاء مزارع الورد والفواكه بحاجة لمزيد من الدعم لتحافظ على التفرد الذي كان وما زال سمة لمدينة الطائف. هذا الاهتمام هو جزء من المحافظة على الهوية المميزة للمدينة، وحماية للبيئة التي تخرج أجمل ما فيها لسكان الطائف، لكنها تتعداهم ليستمتع بها الجميع داخل المدينة وخارجها.
يبقى لذكريات الطائف جمال خاص ولها أن تأسر قلب كل من يأتيها عندما يتحقق مزيد من الاهتمام بالبيئة والطبيعة التي ميزت الطائف منذ العصور القديمة.