أيام عكاظ
عندما حطت الطائرة بنا في مطار الطائف بدأ شباب وشابات السناب في توثيق الرحلة والمواقع والناس. أصبحت عملية التوثيق بالصور والمقاطع هذه أشبه بالمرض الذي ينهي الثقافة ويحرم الناس من استخدام وسائل التعبير التاريخية التي يستخدمها محدثكم وهي الكتابة. يطول الضرر هنا الأغلبية الذين يتراسلون بالصور فيفقدون القدرة على التعبير عن مكنوناتهم. ثم يبتعدون قليلا قليلا عن لغتهم فلا تكاد تجد شابا يستطيع أن يقف أمام جمع ليقول كلمة أو يصف مشهدا أو يروي قصة.
لعل المشكل طال الكتابة بطبيعة الحال، وبحكم الوجود في هذا الكوكب فإنني لا أكاد أجد شيئا حولي مضمون الصحة في المقال أو اللغة أو الصرف والنحو، وأنا من ضمن هذا المكون العام، فلا يعتقدن أحد أنني أرى نفسي مختلفا.
معاناة اليوم يصورها المشهد الإعلامي بكل دقة، فبمجرد أن تقرأ الشريط أسفل الشاشة تكتشف أن اللغة العربية تعاني، فكيف بك إذا ألغيت خاصية كتم الصوت.
إذا كان المذيعون هم الصفوة فيمن يتحدث اللغة، ويعرف مخارج الحروف وتصريف الأفعال ومواقع الكلمة من الجملة وحالها من فعل وفاعل ومفعول به ومجرور ومقصور، فستعلم أن في البيوت ما هو أردأ من ذلك. ربطت هذا كله بالمناسبة التي نحضرها اليوم وهي افتتاح المحفل العربي التاريخي الذي يمجد اللغة العربية، وينادي لها بالبقاء والعودة لسابق عهدها.
عكاظ اليوم تدعو الوطن لاستعادة المركز الأول في اللغة العربية لأننا سادتها ونحن من نشرها في العالم، ولعل الحرص على هذه اللغة واحد من أهم مسؤولياتنا. من هنا تنشأ إشكالية استعادة ما فقدنا ونحن نحاول اللحاق بالعالم دون الاكتراث بالكنز الذي بين ظهرانينا.
ليس هناك من يرفض أن تكون لغته سليمة محمية، وهو ما وفره للغتنا المصدر الأهم في التشريع الإسلامي ـــ القرآن الكريم الذي جاء بلسان عربي مبين. هنا يجب أن نحمد الله على هذه النعمة، لكننا يجب في المقابل أن نستعيد مع مناسبة سوق عكاظ حماسنا التاريخي لهذه اللغة والمحتوى الثقافي العظيم الذي انتقل من خلالها لدول العالم، وأنتج الكثير من المخترعات والبحوث والاكتشافات في عصور التفوق الإسلامي.
أمر أراه مهما ونحن نهيم في عالم افتقدنا فيه القدرة على التعبير بلسان فصيح.