الاقتصاد العالمي والتزام السعودية بتعهداتها
تميزت المملكة ضمن مجموعة العشرين التي تسيطر على 90 في المائة من الاقتصاد العالمي، بأنها تلتزم بتعهداتها كلها، بما فيها تلك المرتبطة بالاقتصاد العالمي. والحقيقة أن دول مجموعة العشرين نفسها أكدت في غير مناسبة على هذا الالتزام السعودي، معتبرة أن السعودية تقوم بدور إيجابي على الساحة الدولية. التزام المملكة بالسياسات والتعهدات التي ترتضيها ليس جديدا، فهي كذلك في السياسة كما في الاقتصاد، وفي التنمية والمساعدات والمعونات، وفي مكافحة الإرهاب التي كانت من أوائل الدول الساعية لوضع حد لهذه الآفة التي تهدد العالم أجمع، ورصدت لها ميزانيات وأطلقت تعاونا كبيرا مع البلدان الراغبة حقا في الحرب على الإرهاب.
ووفق هذا المنهج العام، يأتي تأكيد منظمة التجارة العالمية بأن مجموعة العشرين اعتمدت تدابير حقيقية تهدف إلى تيسير التجارة، وأن السعودية عززت حرية تيسير التجارة عبر خمسة إجراءات، يأتي هذا التأكيد ليعزز حقيقية الأسلوب السعودي في التعاطي مع القضايا التي تختص بالساحة الدولية بصرف النظر عن طبيعتها. وهذا الأسلوب، أكد مجددا محورية المملكة في صنع القرار العالمي وفق أسس عادلة ومنطقية، والأهم وفق معايير أخلاقية ترقى إلى مكانة وقيمة السعودية على مختلف الساحات. ففي السنوات الماضية، وجدنا بلدانا حتى من مجموعة العشرين، أخفقت في الالتزام ببعض التعهدات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالنمو ومواجهة الاستحقاقات الاقتصادية المحلية.
السعودية عززت حرية تيسير التجارة وفق خمسة إجراءات هي (كما أوردته منظمة التجارة العالمية): تمديد إعفاء التعرفة الجمركية على المواد الخام والسلع نصف المصنعة، والمعدات وقطع الغيار من ستة أشهر إلى 12 شهرا. كما برعت المملكة في تطبيق نموذج واحد من التخليص الجمركي للاستيراد، وتطبيق نموذج واحد من التخلص الجمركي للتصدير. وإلغاء الحظر على صادرات الأسمنت والحديد. وكل هذه الإجراءات تمثل ضرورة حتمية للاقتصاد العالمي الذي يمر بمرحلة حرجة للغاية، انطلقت في الواقع مع انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، وإن شهدت تحسنا على مدى السنوات الفاصلة بين الأزمة الكبرى والوقت الراهن. ومسؤولية الكبار تكون عادة أكبر من غيرهم في جعل وتيرة الاقتصاد العالمي تمضي بيسر ومرونة قدر المستطاع.
وفي الواقع اتخذت المملكة (بحسب منظمة التجارة أيضا) سلسلة من التدابير والإجراءات المحلية وتلك التي لها رابط إقليمي، تسهم بصورة مباشرة في دعم حراك التجارة العالمي، ما يرفع من جودة الأداة الإجرائي والتشريعي السعودي ضمن مجموعة العشرين. ورغم أن المنظمة أشارت إلى بعض الإجراءات المقيدة، إلا أنها وصفتها بـ"الإجراءات غير المؤكدة"، بمعنى أنها لا تستطيع أن تؤكد مدى حقيقتها، ولاسيما أنها لم تتسلم أي إشعارات من جانب البلدان التي مارست هذا "التقييد". وفي كل الأحوال، تقف المملكة على رأس الدول الأكثر تعاونا في مجال التجارة العالمية، والأشد التزاما بالقواعد والقوانين التي ارتضتها كعضو ضمن مجموعة العشرين.
وعلى أساس الإجراءات المحلية التي تقوم بها المملكة وغيرها من بلدان مجموعة العشرين، فإن السعودية أقدمت على سلسلة من الإجراءات تهدف بالدرجة الأولى إلى دعم مخططات التنمية الكبرى المتمثلة في "رؤية 2030" وبرنامج التحول. وهي خطوات لا تتعارض بأي شكل من الأشكال مع التزاماتها حيال الاقتصاد العالمي، بل على العكس، إن جزءا من هذه الإجراءات التي تكتسب صفة المحلية، لها انعكاسات إيجابية على الساحة الاقتصادية الخارجية بأشكال مختلفة. وبالمحصلة، تقوم السعودية بكل ما يحتم عليها القيام به، ليس فقط التزاما بتعهداتها الخارجية، بل أساسا التزاما بالمصلحة الوطنية.