رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ضوابط الأمانة في البحث العلمي .. دور الجامعات

ليست الجامعات مسؤولة وحدها عن "البحث العلمي"، فالمؤسسات على اختلاف مجالاتها، والقطاعات التي تنتمي إليها، تحتاج إلى البحث العلمي وتقوم به، بل إن بعضها يختص في العمل البحثي، ويقدم خدمات بحثية للجهات المختلفة. فشركة كبرى كـ"سابك"، على سبيل المثال، تحتاج إلى البحث العلمي وتقوم به في مراكز خاصة بها؛ و"مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية" تختص في العمل البحثي في المجالات العلمية المختلفة وتقدم من خلال ذلك خدمات للرؤى والخطط الوطنية، ومؤسسات الدولة المرتبطة بها. وعلى الرغم من أن الجامعات ليست وحدها في العمل البحثي، إلا أن لها "موقعا خاصا"، يتميز في تأثيره على المؤسسات الأخرى.
الجامعات هي "المصدر" الذي "يؤهل الباحثين" الذين يعملون في المؤسسات المختلفة التي تحتاج إلى البحث العلمي، أو التي تختص به. والجامعات أيضا "مراكز بحثية" تتلقى تمويلا لأبحاثها. ويأتي مثل هذا التمويل من أجل "دعم تأهيلها للباحثين" على أفضل وجه ممكن؛ أو من أجل تقديم "مخرجات بحثية أساسية" تسهم في "التقدم المعرفي"، حيث تعطي بذلك قيمة حضارية ذات بعد مادي مستقبلي للعالم بأسره؛ أو من أجل تقديم "مخرجات بحثية تطبيقية" قابلة للتحويل إلى قيمة فعلية تسهم إسهاما مباشرا في "التنمية" اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا. هذا الموقع المتميز للجامعات في البحث العلمي يحملها مسؤولية كبرى تجاه "ضوابط البحث العلمي وأخلاقياته"؛ فكل من يعمل في البحث العلمي له ارتباط بالجامعات، سواء كان هذا الارتباط مباشرا يختص بالعاملين حاليا في الجامعات، أو غير مباشر يرتبط بمن أهلتهم الجامعات سابقا ويعملون في مؤسسات أخرى.
سوف نلقي الضوء في هذا المقال على وثيقة "القواعد المنظمة لأخلاقيات البحث العلمي" التي أصدرتها جامعة الملك سعود، عام 2015م، وهي الجامعة المتكاملة الأولى والأهم في المملكة، ونحاول أن نضع بعض الملاحظات بشأنها. وغاية ذلك هي العمل على استكمال رؤية مشهد "الأمانة في البحث العلمي" الذي تطرقنا إليه في المقالين السابقين، حيث قدم المقال الأول طرحا عاما للموضوع، واهتم الثاني بطرح "ضوابط هذه الأمانة" التي تستخدمها "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية" في تقييم المشاريع البحثية الطالبة لدعمها، في إطار متطلبات الخطط الوطنية.
تتميز "الوثيقة" المستهدفة بأنها تتسم "بطبيعة جامعة" لمشهد متكامل واسع النطاق "للأمانة في البحث العلمي". فهي تستند إلى "ثماني وثائق عالمية" مماثلة وضعتها جامعات أجنبية مرموقة من جهة، وإلى "سبع وثائق محلية" ترتبط بضوابط هذه الأمانة من جهة أخرى. وتنتشر الجامعات الأجنبية ذات العلاقة في: "أمريكا، وبريطانيا، وأستراليا، وسنغافورة، وجنوب إفريقيا"؛ وترتبط الوثائق المحلية بقرارات وأنظمة وضوابط محلية، بينها ضوابط "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية" التي تحدثنا عنها في مقال سابق.
تطرح الوثيقة "15 موضوعا" للقواعد المنظمة لأخلاقيات البحث العلمي، من خلال مادة محددة لكل موضوع. وتهتم "المادة الأولى بمصطلحات الوثيقة"، وتطرح "17 مصطلحا" بينها مصطلح "الحرية الأكاديمية" الذي يعرف على أنه "حق الأكاديميين في تناول الموضوعات البحثية والمعرفية بحرية وفق القواعد والأعراف الأكاديمية المتعارف عليها عالميا". وتحدد "المادة الثانية أهداف الوثيقة" وعددها "ستة أهداف"؛ منها، هدف "القيم، والنزاهة، والعدالة، والشفافية، وتكافؤ الفرص"، وهدف "رفع الكفاءة، والجودة، والتميز في البحث العلمي محليا ودوليا".
وتبين "المادة الثالثة نطاق تطبيق القواعد المطروحة" ويتضمن، الأشخاص أي "الباحثين في الجامعة" من جهة؛ ومخرجاتهم "البحثية" من جهة ثانية. وتركز المادة الرابعة على قيم وممارسات البحث العلمي، وتشمل "16 عنصرا"، بينها: "الدقة، والخصوصية، والمساءلة، والمسؤولية، والجدارة، والعناية بالإنسان والحيوان، وغير ذلك". وتطرح "المادة الخامسة قواعد عامة" تشمل "عشر قواعد" منها: "الالتزام بالعمل على ما فيه خير المجتمع"؛ و"مراعاة الضوابط الشرعية والأخلاقيات المهنية والأكاديمية".
وتهتم المواد "السادسة والسابعة والثامنة بالالتزامات المطلوبة"، وعددها "45 التزاما" تتوزع على كل من: "الجامعة؛ والباحثين؛ والمشرفين وطلاب الدراسات العليا". وبين التزامات "الجامعة"، على سبيل المثال: "توفير البيئة التي تتيح ممارسة السلوك المسؤول والأخلاقي في مجال البحث العلمي"؛ و"تشجيع العمل المشترك بين الباحثين". وتتضمن التزامات الباحثين، على سبيل المثال أيضا: "الموضوعية، وتجنب التحيز، وضمان جودة العمل".
ومن أمثلة التزامات المشرفين على الدراسات العليا "الالتزام بالتوجيه المخلص الأمين للطلاب، وتقديم المساعدة لهم". أما التزامات طلاب الدراسات العليا فتتضمن "توخي الموضوعية والأمانة العلمية وتحري الدقة في النقل والاقتباس"، وغير ذلك.
وتركز "المادة التاسعة على الملكية الفكرية" وتشمل "15 عنصرا"؛ ولعل بين أبرز هذه العناصر "ملكية جامعة الملك سعود للأعمال التي يتم إنجازها، وكذلك الاكتشافات العلمية والاختراعات، مع حفظ حقوق الباحثين الأصليين". وتهتم "المادة العاشرة بالباحثين والمجتمع"، ولها "أربعة عناصر" منها "الالتزام بالمحافظة على البيئة، وتبني النقد البناء الذي يرتقي بالإنسانية". وتأتي "المادة الحادية عشرة بعد ذلك لتركز على البيانات والمعلومات والنتائج"، ولها "13 عنصرا"، تتضمن، على سبيل المثال، "احترام خصوصية الآخرين، وعدم نسخ أي بيانات أو معلومات أو برمجيات دون إذن مسبق من أصحاب العلاقة".
وتختص المواد "الثانية عشرة، والثالثة عشرة والرابعة عشرة بقضايا علاقة الباحثين مع المواد الحية التي تجرى عليها البحوث"، ولهذه المواد "32 عنصرا". ومن الأمثلة المهمة لهذه العناصر "موافقة الإنسان صاحب العلاقة الذي يخضع للبحث على إجراء البحث بعد استيعابه لأهدافه ومخاطره بوضوح"؛ و"مراعاة نظم رعاية الحيوان عند إجراء التجارب عليه"، وغير ذلك. وتأتي "المادة الخامسة عشرة" أخيرا لتقضي باعتماد "الوثيقة" وتطبيقها.
لا شك أن وثيقة جامعة الملك سعود الخاصة "بالقواعد المنظمة لأخلاقيات البحث العلمي" المطروحة فيما سبق، قد أعدت بإتقان، وخرجت بمعلومات وضوابط مفيدة. ولعل جامعات أخرى في المملكة قد قامت أيضا بجهد مماثل، إضافة إلى ما قامت به مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وربما جهات أخرى. والمطلوب في المستقبل هو توحيد الجهود على المستوى الوطني والخروج بوثيقة موحدة. ولا شك أن الشراكة المعرفية بين الجهات ذات العلاقة، يمكن أن تؤدي إلى تطوير ما هو قائم نحو الأفضل. ويضاف إلى ذلك ضرورة متابعة الخبرات والمستجدات في هذا الموضوع على المستويين المحلي والدولي، وإجراء التحديثات اللازمة دوريا على الوثيقة أو الوثائق القائمة. ولا بد من نشر مثل هذه الوثائق على نطاق واسع وحث أصحاب العلاقة على تطبيقها طوعيا كمسؤولية اجتماعية ومهنية ذاتية، واستبعاد أي حاجة إلى العمل على اكتشاف المخالفات، وإصدار الأحكام، وتنفيذ العقوبات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي