«صندوق الصناديق» .. رافد اقتصادي محوري
كل القوانين والمبادرات والمشاريع الاقتصادية في السعودية باتت مرتبطة بصورة أو بأخرى بـ "رؤية المملكة 2030"؛ بل حتى الحراك على صعيد العلاقات العامة يدخل ضمن هذا النطاق، على اعتبار أن هذه "الرؤية" تمثل المستقبل الاقتصادي للمملكة، لما تتضمنه من خطط ومشاريع وآليات وأفكار وإمكانات لبناء اقتصاد جديد يوائم المتغيرات والاستحقاقات سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية. وأولت القيادة السعودية منذ البداية اهتماماً خاصاً بالمشاريع (الشركات) الصغيرة والمتوسطة، على اعتبار أنها رافد رئيس للحراك الاقتصادي ككل، وأن دعمها في كل المجالات، يوفر آلية أخرى للحراك العام، بل إن ضمان نجاح مثل هذا النوع من الشركات، يختصر المسافة نحو الهدف العام.
من هنا، يمكن النظر إلى إقرار مجلس الوزراء لـ "صندوق الصناديق"، وهو قابض برأسمال أربعة مليارات ريال، وهو (كما جرى توصيفه) صندوق قابض لتحفيز الاستثمار في رأس المال الجريء، والملكية الخاصة. والحق أن دولاً كثيرة في العالم العربي لا تولي هذا الجانب أهمية كبيرة، الأمر الذي انعكس سلباً على الابتكار الخاص، وعلى حجم الاستثمارات الخاصة وشبه الخاصة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة. في حين أن البلدان التي حققت قفزات نوعية على الصعيد الاقتصادي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وضعت هذا النوع من المشاريع ضمن أولويات الحراك الاقتصادي ككل، وشجعت على أن تكون لها حصة؛ ليس فقط في الإنتاج؛ بل في التنمية أيضاً.
أثبتت التجارب، أنه لا يمكن لهذا القطاع أن يحقق أي تقدم بمعزل عن الدعم والتشجيع من المشرعين الاقتصاديين، فضلاً عن توفير الفرص الاستثمارية له، ولا سيما في ظل وجود مشاريع كبيرة الحجم والعدد، يمكن أن تكون حاضناً مباشراً وغير مباشر لحراك القطاع المشار إليه. وهذا في الواقع ما أكده وزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي؛ في أعقاب الإعلان عن تأسيس "صندوق الصناديق". ومن أهم ما ذكره، أن يحظى قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بفرص استثمارية تعزز تحويل المشاريع الناشئة إلى مستوى أعلى. وهذا يعني أن كل المنشآت (بكل أحجامها في المملكة) ستسهم في عملية التنمية وبناء الاقتصاد الجديد على مختلف الأصعدة.
والمنشآت الصغيرة والمتوسطة ستوفر فرصا وظيفية مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، ولا سيما في سياق الدعم الجديد. ومن أهم العوائد لمثل هذه الخطوة، أنها تدعم القطاع الخاص في الوقت نفسه الذي يمثل في النهاية جزءا أصيلاً من الاقتصاد الوطني. وفي السنوات القليلة الماضية، اهتمت القيادة في المملكة بهذه المسألة على اعتبار أنه لا بد منها، إذا ما كان الهدف هو الوصول إلى اقتصاد أكثر استدامة، وبالطبع أكثر تنوعا. إن هدف التنويع بحد ذاته يشكل أولوية كبرى في عملية البناء الاقتصادي الجديد. ببساطة، أي خطوة تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هي في الواقع مكسب اقتصادي جديد، يسهم مباشرة في تعزيز القدرات الاقتصادية الوطنية في شتى المجالات.
ولأن الأمر كذلك، فإن الدعم المشار إليه سيزيد من حجم الناتج المحلي بصورة جيدة. وفي البلدان المتقدمة تعمد مؤسسات كبرى معروفة على الصعيد العالمي إلى الحصول على منتجات المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهي بذلك لا تعزز الاقتصاد الوطني فحسب، بل توفر على نفسها كثيراً من الأعباء المادية التي تحاول مثل هذه الشركات تقليلها إلى أدنى حد ممكن. ووفق هذا التوجه، سيكون للمنشآت الصغيرة والمتوسطة السعودية دور مهم في المسيرة الاقتصادية التي لا تشبه أي مسيرة محلية سابقة على الإطلاق؛ لأنها ببساطة تستهدف المستقبل بكل متغيراته واستحقاقاته.