رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كلها أدمغة .. وكلها قابلة للغسل

في يوم عرفني الدكتور محمد العوضي على عائلة، والعائلة لديهم فتاة، والفتاة عندها، في أفضل الأحوال، دهشة إعجابية بأحد كبار المعلمين الهنود- الذي يميل ميلا واضحا لتعاليم بوذا ويشجع طريقته لأن بوذا لا يدعي نبوة ولا ألوهية كما يقول في كتبه- ويعرف باسمه العالمي "أوشو".
جلسنا، العائلة والدكتور وأنا، وبدأنا الحديث العام ولم نتطرق لأي موضوع يخص الفتاة ولا بملهمها أوشو. وفي أثناء الحديث رأيت الفتاة تكتب، وتكتب، دون الإصغاء إلينا: ثم مدت الورقة لي وقد كتبت فيها الإنجليزية قولا لأوشو يقول فيه: "عندما تقابل ناسا يريدون أن يغيروا أفكارك التي تؤمن بها بالتفسير المنطقي لا الجدلي، فتذكر القوس والسهم وحبل القوس.. فلا تجعل حبل قوسك مشدودا بقوة فقد يمرق السهم لغير قصده، والسهم يقصد بها أوشو الأفكار التي نؤمن بها - وما زلت أنقل عن الرسالة التي أعطتني إياها الفتاة- فقط أرخ الحبل حتى يأتي وقت الرمي". ثم تتابع.. "أعرف قصدكم من الاجتماع، وتأكد أنه ليس حبل قوسي مرتخيا بل إني حتى لم أخرج السهم من جعبة الأسهم!" ثم أنها تململت قليلا، ولم تستأذن.. وخرجت.
الفتاة صارت تتواصل معي، وترسل لي بالإنجليزية أقوالا لأوشو. إلى أن فتحت عيني على شيء لم أكن لأصدقه لو لم أتحرى صدقه فيما بعد ووجدته صحيحا. فقد كتبت: "لقد انتهى عصر الآلهة وبدأ عصر العقل الاستنتاجي الروحي التأملي، (وهي مدرسة أوشو).. ولعلك لا تعلم، لأنك أنت المخدوع لا أنا، أن كثيرا من جيلنا المتعلم مغرم حتى الثمالة بتعاليم أوشو، بل كثير مثلي يؤمنون بها إيمانا تماما. وسبب توازني الآن وتقدمي الباهر في عملي هي بفضل إرشادات وتعاليم المعلم Guru "أوشو".
وتحريت ووجدت أن تعاليم أوشو قد انتشرت بين الشباب العالي الإطلاع، خصوصا بالإنجليزية، ثم بدأت التراجم العربية تغزو المكتبات وشبكات التواصل الثقافية مثل "جود ريد" وكنت أظن ذلك محصورا بالذات في الكويت والشرقية من المملكة، والبحرين.. إلى أن اتصل بي مجموعة شباب بإحدى مدن نجد الداخلة يريدون نقاشا حول أفكار أوشو. ودافع عنه أحدهم دفاعا متحمسا مثل تلك الشابة في الكويت.
قرأت كتب أوشو وكتبت عنه بالتفصيل أكثر من مرة.. ووصفه بعض النقاد الأجانب بأنه نبي العصر التنويري، وتابعه مشاهير منهم جون لينون أحد أعضاء "البيتلز". ووجدت وأعترف أن أوشو يملك أسلوبا في التعبير بالإنجليزية وكأنها لا تمت للغة الإنجليز. كلماته وتركيباته وعطفاته الروحيةـ وتمنطق أسلوبه بالوجود الأمثل للتفاحص العقلي، يغرفها من منابع غير معروفة ولا مرئية فيها من بخور الشرق وروح البوذية ووجودية سارتر.. خليط عجيب.
الذي استنتجته فيما بعد هو أن كل عقل على هذه الأرض وخصوصا الشبيبة أذهانهم قابلة للغسيل وصنع أتباع منهم متحمسين متى كانوا يعانون قلقا وضيقا وغضبا من السائد، فيجدون ملاذا، كما كان "الهيبيون" في الستينيات، وأتباع المعلمين الهنود قبل أوشو الذين كانوا صراحة يدعون لأديان جديدة، ثم اعتناق مفكرين ومشاهير غربيين وتبعهم ملايين من الشبيبة لأديان كـ "الهندوكية والزان والطاوية والشنتوية بل الزرادشتية.." بحثا عن الارتخاء العصبي في اكتفاءات يظنونها امتلاء روحيا..
وبالضبط.. هذا ما تفعله «داعش». عرفت «داعش» أن كل العقول قابلة للغسل.. لذا أتباعها من كل فج ودين.
الحكاية ليست مجرد وعظ وتمنيات ووعيد.. هي أكثر من ذلك بكثير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي