السياسيون بحاجة إلى حوافز مالية

السياسيون بحاجة إلى حوافز مالية

يهاجم السياسيون نظام الحوافز والمكافآت الخاص بالعاملين في القطاع المصرفي العالمي. وفي آلية مشابهة، يجب على السياسيين الآن استعمال أزمة الديون السيادية كفرصة لإعادة النظر في أنظمة رواتبهم، حيث لم يكن انهيار النموذج الاجتماعي الأوروبي نتيجة الحوافز المالية المبالغ فيها، بل بسبب عدم كفاية تلك الحوافز.
يحصل السياسيون، مثلهم مثل جميع البيروقراطيين في أجهزة الدولة ومؤسساتها، على رواتب ثابتة، وهو ما يعني أنهم لا يتحملون أي توابع مالية للقرارات التي يتخذونها، ونتيجة لذلك، يجذب عالم السياسة الأشخاص الساعين وراء السلطة والنفوذ والمكانة الاجتماعية، وفي بعض الأحيان، أولئك الذين يتحلون بحس المسؤولية والواجب تجاه بلدانهم. من جانب آخر، لا توجد مجالس إدارات يمكنها طرد أعضاء الإدارة العليا نتيجة سوء الأداء، أما الناخبون، فقد ارتبطوا مع السياسيين الذين انتخبوهم حتى موعد الدورات الانتخابية القادمة، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى عدم رضا الناخبين عن أداء من صوتوا لهم.
إن هذا الضعف في آليات الحوكمة يشجع عدم المسؤولية المالية، ولتتم إعادة انتخاب، يجب على السياسيين شراء الأصوات باستخدام أموال مقترضة، وستنتقل تكاليف هذا الاقتراض المفرط إلى الأجيال القادمة، أي إلى أطفالنا، و باعتبار أن الأطفال لا يحق لهم التصويت، فإن هذه العملية ليست ديمقراطية بشكل حقيقي، وهذا يشرح أيضا أسباب عدم ثقة الأسواق بأن السياسيين سيحترمون معايير معاهدة ماسترخت التي حاولت تخفيض الإنفاق والاقتراض الحكومي. وعلى الرغم من أن آلية الحوكمة الخاصة بالاتحاد الأوروبي تقوم على محاسبة الدول وليس السياسيين الأفراد، فإن سياسة العقاب الجماعي أثبتت عدم جدواها لتحفيز المسؤولية الشخصية.
تكمن إحدى الطرق باتجاه تحسين الحوكمة ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي في اتباع سياسة العصا والجزرة المالية لتشجيع السياسيين على تحمل مسؤوليتهم، وأن يكون لقراراتهم ثمن يجب دفعه ما يجعل الوعود الانتخابية التي لا تتمتع بالمسؤولية المالية تجاه الميزانية العامة للبلاد أقل مصداقية. فعلى سبيل المثال، صرحت مارتين أوبري، زعيمة الحزب الاشتراكي الفرنسي أنها، وفي حال تم انتخابها، ستوقف جميع الإجراءات المتعارضة مع فكر الحزب على غرار رفع سن التقاعد التي يقترح تطبيقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وفي حال أدرك جمهور الناخبين أن أوبري وأصدقاءها الاشتراكيين سيدفعون تكلفة شخصية كبيرة إذا أوفوا بوعودهم، عندها سترتفع احتمالية أن يصدق الناخبون تلك الوعود.
معايير جديدة: لتغيير سلوك السياسيين، يجب أن تكون حوافز الأداء الجيد كبيرة، وقد يطرح ذلك إشكالية سياسية حيث سينظر الناخبون إلى تلك الحوافز على أنها وسيلة للاستيلاء على مزيد من أموال دافعي الضرائب، لذا يجب أن يفرض نظام الحوافز على جميع أعضاء البرلمانات الوطنية طبقا للقانون الأوروبي، على أن يشترط القانون في مقابل الاستمرار في عضوية الاتحاد النقدي الأوروبي، قبول جميع الساسة المنتخبين لأن يتلقوا الدفعات المالية وفقا لإجراءات متوافقة مع معايير معاهدة ماستريخت، إضافة إلى الالتزام بمعايير أخرى أكثر صرامة متوافقة مع المسؤولية المالية، فعلي سبيل المثال، يمكن لهذه المعايير أن تنص على أن الموظفين الحكوميين الذين لا يمكن فصلهم من وظائفهم، كما هو عليه الحال في عديد من الدول، وتم استبدالهم بموظفين جديد بعد تقاعدهم، فإن رواتبهم يجب أن تكون عبارة عن دين دائم للحكومة، ويمكن لهذا الدين أن يصل إلى مستويات مرتفعة، فعلى سبيل المثال، تنفق فرنسا 100 مليار يورو أي ما يساوي 122.7 مليار دولار سنويا على رواتب الموظفين الحكوميين، وبافتراض نمو هذه الرواتب بمعدل 2 في المائة سنويا مع خصم معدل فائدة سنوي بمقدار 5 في المائة، يظهر ذلك أن القيمة الحالية لمثل هذه الالتزام تبلغ أكثر من ثلاثة ترليونات يورو، وهو مبلغ أكبر بثلاث مرات من حجم الدين الحكومي المعتمد للالتزام بمعايير معاهدة ماستريخت، وفي حال تم ربط هذا الإجراء بمنظومة تعويض السياسيين، فسيكون لديهم حافز أكبر لتخفيض عدد الموظفين الحكوميين أو خصخصة الخدمات الحكومية.
الطمع مقابل النقود: قد يكون أحد المآخذ على مثل هذا النظام أن الطمع سيكون الدافع الرئيس للساسة عوضا عن السعي وراء النفوذ، وعلى الرغم من أن السعي وراء النفوذ قد لا يكون خيارا أسوأ من الطمع، لكن الطمع في حال تطبيق الفكرة المطروحة في هذا المقال سيشجع على تخفيض الإنفاق الحكومي، فيما يدعم السعي وراء نفوذ الإنفاق الحكومي. إذا، فإن الطمع يصب في مصلحة الاستقرار المالي أكثر من حب السلطة.
أما المأخذ الآخر على هذا الطرح فيكمن في احتمال حدوث تلاعب على المدى القصير، إذ قد يعمل أحد الساسة على تخفيض العجز من خلال زيادة الضرائب في عام محدد، لكن الضرر الاقتصادي الناتج عن زيادة الضرائب سيتسبب في زيادة العجز مستقبلا، وقد يكون أحد الحلول في إيداع الحوافز المستحقة عن سنة محددة في حساب مصرفي على أن يتم صرفها بعد سنوات من مغادرة السياسي صاحب العلاقة عمله في الحكومة، وقد يكمن الحل أيضا في دفع حوافز أكبر في حال تمت موازنة الميزانية من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي عوضا عن رفع الضرائب.
الحد من المخاطر: أما الإشكالية الأخيرة في هذا الطرح فتتجسد في أن الأغنياء لن يهتموا كثيرا بجني المال من خلال عملهم كسياسيين، أما السياسيون أنفسهم فسيكون بمقدورهم جني المال بعد تركهم العمل الحكومي من خلال تأليف الكتب وإلقاء المحاضرات. وهنا أقترح تبني إجراء إضافي بأن يقوم الساسة المنتخبون بوضع نصف ثروتهم الشخصية مقابل الديون التي تم إصدارها خلال فترة توليهم مناصبهم.
من جانب آخر، يمكن لمنظومة حوافز السياسيين أن تحد من المخاطر في القطاع المصرفي خاصة تلك المرتبطة بالمؤسسات المصرفية التي تعد "أكبر من أن تفشل"، إذ مع عدم وجود السياسيين في داخل اللعبة، سيتم دائما إنقاذ تلك المصارف من الانهيار، ونتيجة لذلك، سيتم إقراض المصارف بنسبة فائدة منخفضة وستتورط المصارف في عمليات اقتراض مفرط والتعرض لمستويات مخاطرة مرتفعة، لكن في حال أدرك السياسيون أن ثرواتهم الشخصية معرضة للخطر إذا أقروا إنقاذ مثل تلك المؤسسات المالية، ستكون نسب تنفيذ عمليات الإنقاذ تلك ضئيلة. إن تلك المعطيات من شأنها أن تدفع المصارف والجهات المقرضة نحو سياسة مالية أكثر تحفظا وأقل تعرضا للمخاطر، وحينها لن تكون أي مؤسسة مصرفية "أكبر من أن تفشل".

الأكثر قراءة