رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مشروعات لا رقابة ولا سعودة ولا زكاة عليها

هل تريد مشروعا لا تراقبك فيه الأمانات ولا تطلب فيه تصريحا عليك أن تجدده كل عام؟ هل تريد مشروعا لا وظائف له، ولا تقلقك وزارة العمل بالسعودة فيه والتوظيف ولا تأشيرات ولا جوازات ولا سفر عمال، ولا تأمينات اجتماعية ولا مراجعة الداخلية والدفاع المدني؟ هل تريد مشروعا لا تسألك عنه هيئة الزكاة والدخل، ولا تطالبك بدفع المستحقات، ولا توقف خدماتك إذا لم تسدد، ولا قوائم مالية ولا مراجع حسابات؟ هل تريد مشروعا لا تنشئ من أجله شركة ولا مؤسسة ولا تطالبك وزارة التجارة والاستثمار بسجل تجاري ولا تسألك عن الشريك الأجنبي؟ مشروع ليس على صفحات الإنترنت، بل مشروع قائم على الواقع، ليس بلا أرباح بل له عوائد مجزية جدا تصل للملايين أحيانا؟ مشروع تديره وأنت ـــ وأنت فقط ـــ ومن منزلك، ولا توظف أحدا، ولا يزعجك من يبحثون عن الوظائف؟ إنه بناء عمارة تجارية ذات محال عديدة على طريق تجاري.
هذه المباني التي تصطف على الطرق الرئيسة في كل مكان، وعلى الشوارع التجارية في كل مدينة، والعمارات السكنية ذات الشقق المتعددة في كل حارة، هي مؤسسات تجارية هدفها صناعة الربح ولا أحد يسأل عنها، رغم أنها تمارس أعمالا ذات طابع رأسمالي تجاري وذات رؤوس أموال ضخمة في بعض الأحيان. من عجائب الاقتصاد لدينا، أن تجد مبنى تجاريا في شارع رئيس في مدينة مهمة، هذا المبنى مستأجر من محال تجارية ومؤسسات كثيرة، يدفع بعضها الضرائب أو الزكاة وتدفع رسوم الأمانات، والبلديات، ورسوم السجل التجاري واشتراكات الغرف التجارية، وتدفع رسوم التأشيرات وتكلفة الإقامات، ورسوم التأمينات، والسعودة والتوظيف، والمراقبين من كل الجهات، وفوق هذا كله تدفع الإيجارات الضخمة إلى صاحب المبنى. الذي يأخذ كل هذه المبالغ ولا رسم ولا خصم ولا سعودة عليه، لهذا قيل وسيظل يقال إن العقار ولد بار.
من عجائب الأمر، أن تجد مبنى تجاريا فيه الشقق المفروشة المستأجرة من صاحب المبنى، وهذه الشقق تدفع كل الرسوم والغرامات والتعديلات وعليها أن تتبنى اشتراطات الأمن والدفاع المدني، وأن تخضع للرقابة وفوق كل هذا تدفع الإيجارات لصاحب المبنى الذي لا تسأله أي جهة من جهات الدولة عن شرط واحد، ولا تراقبه إلا شذرا، وفوق كل هذا لا يدفع زكاة ولا يسأل عن سعودة، ومن العجائب أن تجد محل حلاقة صغير جدا، قد لا يسع شخصين معا، يدفع رسوم العمال من تأشيرات ومن إقامات وتأمينات، وفوق كل هذا سيدفع الزكاة ربح أم خسر وبعد كل هذا وذاك بالكاد يجد ما يدفع الإيجار رزقا، بينما صاحب المبنى الذي أجر عليه المحل ينعم بصافي عرق الحلاق ولا أحد يسأل عن زكاة ولا سعودة.
من اللافت، أن تدفع الدولة مبالغ لا حصر ولا عد لها من أجل تأمين فرصة عمل لشاب، وأن تبذل كل جهودها لإقناعه بريادة الأعمال، وتنفق عليه تدريبا وتثقيفا، وتقرضه الأموال، وتكلفه أمام التجار، ثم يذهب كل جهده وخير عمله وثمرة وقته لصاحب مبنى تجاري استأجره الشاب بمبالغ ضخمة. فالجهود الكبيرة التي يبذلها شبابنا من أجل فتح محل تجاري تفشل مع ضخامة الإيجارات، ومع ذلك فلا أحد يسأل أصحاب هذه المباني عن شيء، عن ماله الذي بنى منه المبنى، وأرضه التي اشترى، ولا عن سعودة ولا عن زكاة ولا عن توظيف. فشلت مشروعات كثيرة لدعم الشباب والسبب ارتفاع تكلفة الإيجارات التي وصلت إلى مئات الآلاف من الريالات، فشلت مشاريع دعم لرجال الأعمال بسبب فشل رواد الأعمال في دفع حقوق الامتياز نظرا لأن صاحب المبنى المستأجر أخذ الثروة كلها، فشلت مصارف في استرداد تمويلها بينما بقي صاحب المبنى يؤجره رواد أعمال إلى آخر تموله المصارف والدولة ليأخذ ثمرتها أصحاب المباني التجارية.
إذا نحن أمام ظاهرة تستحق الدراسة، والتأمل، شارع تجاري واحد في أي مدينة يفصح لك عن حاله مع كل المباني التجارية التي تمتص عرق وجهد الناس، وتفشل كل طموح الشباب في بناء مؤسسات تجارية يدفعون من أجلها الكثير ويلتزمون في مقابلها بالكثير نحو الحكومة والمجتمع، تفشل بسبب جشع أصحاب المباني السكنية الذين لا يدفعون مقابل جشعهم شيئا، يفرضون أسعارا للإيجارات وصلت حدا جنونيا، ولا يهمهم من فشل وأخلى محله، فهناك صف انتظار، كلهم يفشلون بسبب ضخامة الإيجار، ولا أحد يوقف هذه الهدر. تتضخم ثروات هذه الفئة من الناس دون سبب وجيه لهذا التضخم سوى أن لديهم أرضا جاءت على طريق تجاري قامت الدولة بدفع مبالغ ضخمة جدا من أجل شق الطريق الذي أصبحت أرض هؤلاء المنتفعين على ضفافه، وبينما الدولة تصلح كل أوضاعه يقف صاحب المبنى كل يوم تمام موظف البلدية يشتكي سوء الخدمات وهو واقف على تل من الثروة، صنعتها له يد الدولة.
أما وقد وقفنا صفا واحدا أمام الأراضي البيضاء حتى تم إخضاعها للرسوم فلا بد من إعادة النظر في شأن هذه المباني التجارية التي أصبحت تعيش طفيلية على حساب المجتمع، وتتضخم الإيجارات كلما سعت الدولة إلى ضم المزيد من رواد الأعمال في السوق، لا بد لكل مبنى تجاري أن يسجل في سجل خاص وأن يدفع الزكاة المستحقة شرعا وهي زكاة المستغلات، وأن يقوم بتوظيف أحد الشباب للإشراف على المبنى، وأن يحقق شروطا أساسية مثل حماية المبنى، وأن يوظف الشباب على بوابات المبنى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي