بوابة الروح
لم تكتف مارينا إبراموفيتش بتجربتها عام 1974، وإنما استمرت في كشف خبايا النفس البشرية. كان جل اهتمامها بكل ما يخشاه الإنسان.. بالخوف الذي إن تمكن منك حول حياتك إلى جحيم وعطل كل عمل تريد الإقدام عليه!!
كل الناس تخاف من المعاناة، الألم، الموت، ولعل الحياة الأليمة التي عاشتها مارينا بين أبوين كان العنف أساس حياتهما، دافعا لها لتعيش آلام الناس.. أن تدخل إلى أعماقهم، أن تتفاعل مع جمهورها بحوار صامت تستخرج به مكنونات أنفسهم من خلال فن الأداء الذي امتهنته.
تقول مارينا إن أكثر شيء سبب لها الألم وحطمها، أن والدتها لم تقبّلها ولا مرة في حياتها؛ ما جعلها تشعر دائما وحتى عندما كبرت بأنها ضحية، وتحاول أن تهيئ لنفسها مساحات لتعيش فيها بحرية، وتمارس خوفها وألمها وحبها بحرية، وكانت منصات العروض ساحتها!!
سمحت لها مهنة الأداء التي اختارتها أن تمارس كل أنواع الخوف التي من الممكن أن تمر بها أمام جمهورها، واستخدمت طاقاتهم لتتحدى نفسها وتتخلص من مشاعر الخوف. جعلت من نفسها مرآة لجمهورها، فإذا استطاعت أن تتحمل الألم والمعاناة، فإن جمهورها بالتالي يستطيع ذلك أيضا، فإذا تألمت وعلمت أن بإمكانك أن تتحكم في ألمك وتسيطر عليه وتعالجه، سيتحول ألمك إلى أمل!!
لقد قامت بآلاف التجارب، منها الخطير جدا والجريء. في أحد عروضها قامت بتمرير آلات حادة بين أصابع يديها بحركة سريعة.. لم تكن تعنيها تلك الجروح أو الدماء، كما اعتمرت في أحد عروضها قبعة من الثعابين، وتركتها تزحف حول وجهها وتلتف حول رقبتها دون أن يرمش لها جفن.. كانت تتحدى ذاتها، لقد صمدت أمام جمهورها الذي تعلم منها أن أفضل شيء لعلاج الخوف والألم هو المواجهة!
أما أعظم تجاربها الملهمة كانت عام 2010، التي رفض القائمون على المعرض أن تؤديها لاعتقادهم بفشلها، وأن أحدا من الجمهور لن يتحمل مشقة المجيء إلى العرض في أكثر المدن الأمريكية ازدحاما (نيويورك)، ليجلس في الكرسي المقابل لها صامتا ويحدق في عينيها لدقائق ويرحل، لكنها أصرت وجلست في المكان ذاته لمدة ثلاثة أشهر، وخلافا لكل التوقعات توافد الجمهور الغفير للجلوس معها، وكانت ردات فعلهم لا تصدق.. راوحت بين نظرات الحزن والألم والدموع والبكاء وتبادل الابتسامات.. كان حوار أرواح، حتى أن حبيبها السابق حضر وفوجئت به يذرف الدموع ويرحل بصمت بليغ. تقول عن تجربتها تلك إن العين بوابة الروح.. ستروا كل شيء هناك، جربوها مع من حولكم، فحديث الأرواح أبلغ من الكلمات!