قمة نواكشوط القضايا الثابتة والمتفاعلة
تأتي قمة نواكشوط العربية في مرحلة متفاعلة بصورة كبيرة للغاية، يمر بها العرب منذ عدة سنوات، إضافة طبعا، إلى القضايا العربية الأخرى التي تكاد تكون ثابتة على جدول أعمال أي قمة عربية. والقمة الحالية استثنائية بالفعل، لأنها تتعامل مع أزمات تشهد تطورات على مدار الساعة، في سورية والعراق واليمن ولبنان وليبيا، وغيرها من البلدان التي تأثرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتفاعلات الحاصلة على الساحة العربية المذكورة. القضايا متشعبة، بعضها يمكن وصفه بالمستعصي، لأسباب بات الجميع يعرفها. وعلى هذا الأساس، يكتسب انعقاد القمة العربية في موريتانيا بهذا الوقت بالذات أهمية تاريخية، بصرف النظر عن نسبة مشاركة القادة العرب فيها. فالمسائل المطروحة تبقى حاضرة في كل المناسبات العربية وغير العربية، وهي محل علاج على مختلف المستويات.
القمة العربية تنعقد في نواكشوط، بعد أن وصلت تدخلات إيران الخبيثة في غير بلد عربي إلى مراحل خطيرة للغاية، ولا سيما، أن النظام الإيراني يستهدف أساسا نشر الفوضى والخراب في كل البلدان العربية التي يستطيع الوصول إلى ساحاتها. إنه نظام يتبنى الإرهاب والخراب استراتيجية ثابتة له، كانت في السابق سرية، ولكنها أصبحت بعد ذلك فاضحة. والوقوف في وجه الاستراتيجية الإيرانية الخبيثة بات أمرا مصيريا على الصعيد العربي، لأن نظام الملالي لن يتوقف عن تنفيذ مخططاته إذا لم يكن هناك حراك عربي قوي، يوازي المخاطر الناجمة عن هذه المخططات. والموضوع الإيراني أساسي في قمة نواكشوط، لأنه يرتبط بملفات عربية أخرى مباشرة. فالمسألة لم تعد تدخلات إيرانية في هذا البلد أو ذاك، بل محاولات احتلال بلدان بأكملها.
هذه سورية التي تعيش بعد أكثر من خمس سنوات من الثورة، حربا طاحنة ما كانت لتصل إلى هذا المستوى الخطير، لولا تدخلات النظام الإيراني. وكذلك الأمر بالنسبة للعراق الذي راح رهينة إيران قبل سورية. وفي الأشهر الماضية أصبح واضحا أن النظام الإيراني يريد أن يطيل أمد الحرب على عصابات المخلوع علي عبدالله صالح والمرتزقة الحوثيين من خلال مد هذه العصابات بالمال والسلاح والدعم اللوجستي. نحن أمام تدخل إيراني بأشكال مختلفة، يخلف وراءه في الواقع مزيدا من الخراب، فضلا عن تعزيز حراك الإرهاب ليس فقط في المنطقة، بل على الساحة العالمية أيضا. وأمام القمة العربية هذه الأزمات بكل حقائقها المريرة. غير أن العمل العربي يمكن أن يحقق نتائجه وفق رؤية استراتيجية موحدة حيال كل القضايا المطروحة والمتفاعلة.
على الساحة هناك فوضى في صنع القرار العالمي منذ قرابة ثماني سنوات. وقد أثر هذا الحال في الوضع في المنطقة العربية، كما أثر سلبا حتى على الوضع في الساحة الغربية. والقرار العالمي يعيش في الواقع فترة ركود لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث. ومن هنا، فإن تكتلا عربيا على مستوى جامعة الدول العربية، يمكن أن يعيد إطلاق نفسه وفق المستجدات الإقليمية والعالمية الراهنة، وتلك التي شكلت حالات متأرجحة من الناحية السياسية. وأي اجتماع عربي هو في الواقع خطوة للأمام بالنسبة لقضايا العرب، فكيف الحال باجتماع على مستوى القمة، في وقت يحتاج العرب فيه ليس فقط إلى مراجعة بعض السياسات، بل إلى اتخاذ سياسات تتوازى مع أهمية التطورات ومخاطر الاستحقاقات المقبلة. ولا ننسى هنا دور السعودية في جميع القمم العربية ودعمها ومساندتها ووقوفها وتأييدها لكل الأطروحات التي تخدم قضايا الأمة العربية سياسيا واقتصاديا.
هناك قضايا كثيرة مطروحة على الطاولة العربية، مثل القوة العربية المشتركة، والأمن العربي وملفات النزاعات المختلفة. وقد لا تتوصل هذه القمة إلى حلول ناجعة لها، لكن في النهاية تمثل نقطة انطلاق جديدة لوضع الأطر العامة للحلول.