الموظف التاجر
أذكر أن كثيرا ممن عرفتهم من التجار كانوا يصرون على بقاء أبنائهم في وظائف الحكومة، بحجة أنها توفر الدخل المستقر المضمون. لا يهم أنها قد تقيد حرياتهم وحركاتهم وتسهم في كبت قدراتهم، المهم أن الابن موظف حكومة.
يستطيع القارئ من هذه المقدمة معرفة النوعية التي أعرفها من التجار. إنهم أولئك الذين كدحوا وسهروا وكافحوا لإنشاء مؤسسات صغيرة ذات دخل عادي، لكنها تظل ذات قدرة على استهلاك كل قدراتهم الذهنية والبدنية. هذه المؤسسات والأعمال المتوسطة في العادة هي أصعب من الوظيفة الحكومية بمراحل.
أما التجار الكبار الذين يبذلون جزءا يسيرا من وقتهم، في مقابل مبالغ خيالية، ويعيشون بفضل الله ثم بفضل المديرين الأجانب أو المحليين الذين يمارسون الجهد والعمل ومقابلة المتغيرات والتفاعل معها، فهؤلاء يفضلون أن يضموا أبناءهم إلى صدورهم ويشركوهم في الكعكة الرائعة التي يتناولونها بكل سعادة، حتى وإن شاركهم فيها كثير من الوسطاء والمديرين والطامعين هنا وهناك.
حديثي عن الفئة الأولى التي يجب أن تغادر وتفتح المجال لمن يحتاجون إلى الوظيفة فعلا. هؤلاء يتسببون ــ هم وأبناؤهم ــ في تدني الكفاءة والإنتاجية. ذلك أن هناك كثيرا من المحسوبيات والمجاملات التي يحصل عليها أبناؤهم بسبب أن والده فلان أو علان. فبرغم أن الشاب يأخذ موقعا يحتاج إليه شخص آخر، هو أيضا لا يمثل فرقا كبيرا في الناحية الإيجابية، وإنما غالبا يكون سلبيا في أثره في بيئة العمل التي يوجد فيها.
أقول هذا ونحن في مرحلة تتميز بكثير من الحب والدلال للأبناء، ما يؤدي إلى عدم تحملهم ظروف العمل القاسية، حتى وإن تحدثنا عن كثير من الشركات التي أصبحت ــ هي الأخرى ــ تكتفي بنسبة أقل بكثير من الكفاءة والأداء مقارنة بسنوات مضت.
بدأت المؤثرات البيئية والأسرية في تكوين النبتة التي نتعامل معها منذ الصغر وتطور التعامل معها والتأثير في نشاطها وسلامة بنيتها في المدارس، ثم جاءت الجامعات لتكون خاتمة العقد فيما يعانيه قطاع العمل من انخفاض للإنتاجية مع إسهام عناصر أخرى عديدة.
خروج التجار وأبناؤهم من سوق العمل الحكومي بالذات سيسهم بلا شك في توفير الفرص الوظيفية الجاذبة للمحتاجين فعلا، كما سيسهم في تحسين الكفاءة والمحاسبة، كما يمكن أن ينفع سوق العمل الخاص الذي يعاني عدم توازن مكوناته.