المعاملة الإنسانية في المطارات والأماكن العامة
يحثنا ديننا الحنيف على الرفق بالحيوان ومعاملته معاملة حسنة، فكيف بتكريم الإنسان، إذ يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا). وهذا التكريم للإنسان بصرف النظر عن جنسه أو جنسيته أو ديانته أو ثقافته، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ويقول جلا جلاله: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم). ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى". ومن هذا المنطلق، لا ينبغي للمسلم أن يشعر بـ "التعالي" على أشخاص أو شعوب أو أمم أخرى، فكل أمة من الأمم أسهمت بقدر في الثقافة الإنسانية ولها تاريخ يفخر به أفرادها، بل إن بعض الأمم سبقونا كثيرا في مجال العلم والتقنية، وأسهموا بالكثير في خدمة الإنسانية من خلال اختراع الأدوية والأجهزة الطبية ووسائل النقل والاتصال والتواصل التي ننعم بخدماتها!
تتمتع المملكة بميزة قلما تتوافر لغيرها، فيوجد أعداد كبيرة من العمالة الوافدة التي يربو أعدادها على 12 مليونا، كما يزيد عدد زوار مكة المكرمة لوحدها على 20 مليونا سنويا. ولا شك أن وجود هذه الأعداد الكبيرة يعد ميزة كبيرة ينبغي الاستفادة منها وعدم التساهل بأهميتها، فهؤلاء يمكن أن يسهموا في تعزيز الجسور بين الثقافات ونقل صورة مشرقة عن المملكة إلى بلدانهم. ولكن هذا الانطباع الجميل يمكن أن يخدش بسبب تصرف فردي (لا يمثلنا إطلاقا) من قبل رجل في الجوازات أو خدمات المطار أو سيارات الأجرة. ولا يتطلب الأمر كثيرا من العناء والتكاليف المادية، بل تتجلى القيم الإنسانية بكلمة طيبة واحترام الحقوق الشخصية، وإشعار الآخر بالاهتمام الذي يليق به ويستحقه! فالمثل الشعبي يقول: "قابلني ولا تعشيني"، بمعنى أن الاستقبال الحسن باحترام وتقدير يغني عن تقديم الغذاء.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل في هذا السبيل، ومع تقديري للتحسن الذي حدث خلال السنوات الأخيرة، فإن المجال لا يزال في حاجة إلى مزيد من التحسن والتطوير سواء في الإجراءات أو معاملة الزوار للعمل أو زيارة الأماكن المقدسة أو السياحة. فمن الملاحظ أن إدارات مطاراتنا لا تعير اهتماما لتراكم الزوار الأجانب في صفوف طويلة ويتم التعامل معهم بطريقة عليها الكثير من المآخذ، كما أن الفوضى العارمة داخل مبنى المطار وخارجه لا يوجد لها مثيل في المطارات المتقدمة، فالراحة داخل مبنى المطار مفقودة، ومجال الغش والاحتيال وارد خارج المبنى، خاصة مع وجود أشخاص يستخدمون سياراتهم الخاصة لنقل الركاب وربما استغلالهم. كما أنه على العكس مما هو موجود في معظم المطارات الدولية، لا توجد مكاتب لخدمة الزوار لتقديم المعلومات لهم وتزويدهم بالكتيبات والخرائط باللغات المختلفة.
هذا الوضع يدل دلالة واضحة على أن تقديم خدمة تليق بالزوار وكذلك الاستفادة منهم لا تزال أقل من الطموح أو التوقعات في بلد بحجم المملكة العربية السعودية وبمكانتها الدينية والاقتصادية. فإلى جانب تطوير خدمات المطارات وتحويلها إلى بيئات صديقة للمسافر، فإن من المناسب اتخاذ إجراءات كثيرة لتحسين الوضع، مثل: إتاحة المجال للمتقاعدين الراغبين في التطوع في إرشاد المسافرين في مطاراتنا من خلال إنشاء جمعية خيرية تنظم عمل الراغبين في التطوع بساعات من أوقاتهم أسبوعيا لخدمة الزوار، عموما وزوار الحرمين الشريفين خصوصا، لرسم صورة مشرقة لبلادنا وديننا الحنيف. وكذلك الحد من المظاهر غير اللائقة المتمثلة في كثرة المتسولين في الشوارع وأمام المساجد، ما يثير تساؤلات عن عجز مكافحة التسول في القيام بمهامها، على الرغم من أن هذا المشهد لا تراه في مدن مجاورة مثل دبي على سبيل المثال! إطلاق برنامج وطني للراغبين في استضافه زائر لوجبة غداء أو عشاء مع الأسرة السعودية لإيجاد أجواء مودة وتقارب إنساني. ولا يقل عن ذلك أهمية تدريب العاملين في المطارات والمرافق العامة على أخلاقيات العمل وأساليب التعامل الإنساني الراقي.