مبدأ اللاعنف «2»
الدعوة لتعليم مبادئ (اللاعنف) .. لأن حياتنا باتت تتصف بالقسوة في كل شيء ومع كل شيء، ففي واحد من عشرات المقاطع المماثلة، يظهر رجل أربعيني وفي يده اليسرى ذيل قط صغير وهو منكوس على رأسه للأسفل، وفي يده اليمنى سيف بتار .. وبعد كلام .. كأنه نطق بالحكم على القط الصغير الذي استكان إلى السكون بعد أن أعيته محاولات الانفلات من قبضة يده .. أهوى بالسيف على ذيله فقطعه، ليرتطم القط الصغير بالأرض وهو لا يلوي على وجهة أو يلوذ بمكان .. تعالى صوته .. واستمر تدفق دمه بغزارة مفرطة .. وينتهي المقطع بسرور غامر وضحك من الرجل الأربعيني الذي يتباهى بهذه الدرجة من القسوة والوحشية بمقدار تسجيلها وتنزيلها في الموقع العالمي يوتيوب!
إن كثيرا من الناس قساة، وغلاظ الأكباد، ثم يتفاخرون بقسوتهم ولا يحتشمون من أحد في توثيقها، وهي تتنزل على الضعفاء من حولهم، الأطفال والنساء والحيوانات الضعيفة العاجزة. قطط، وحمام، وكلاب، وثعالب .. تم حرقها جميعا أحياء، بطرق مروعة ووحشية جدا في عذاب متصل ناشف، مقاطع مختلفة من أشخاص مختلفين، ما زالت حالات العنف تجاه الأطفال والنساء تتكاثر، كل ضحية جديدة تنتهي في بعض الحالات إلى الموت من أثر التعذيب، في سادية مخيفة ومفزعة جدا، ومقلقة في عددها وتفاصيلها.
حوادث الضرب الذي ينتهي بالموت، هي أيضا لا تتوقف وتتزايد، ولا سيما أن (بورصة الديات) هي أفضل بورصة مدرة للملايين على مستوى الخليج العربي كله.
وبحسب إحصاء المحاكم في وزارة العدل، فإن معدلات الاعتداء جسديا على الزوجات لم يتراجع عن السنوات الماضية، بل هو يتزايد في المناطق الرئيسية .. وبالرغم من صدور قرار بالجزاء المالي المقدر بـ 50 ألف ريال كتعويض لضرب الزوجة .. ظل الخوف من الطلاق سببا كافيا لعدم إثارة دعوى أمام جهة رسمية. وظلت مشاهد الضرب تعاود الظهور علانية أحيانا أو عند رؤية الضحايا وهم فوق السرير الأبيض أو مراكز الإيواء التي بدأت هي أيضا بزيادة عدد المحتاجات إليها. إن مظاهر القسوة والعنف، وغياب مبدأ اللاعنف، تتزايد في كل حياتنا، بما فيها تردي بعض العاهات النفسية والعقلية في مستنقع عصابة «فواحش» الشام والعراق.
وحين نلح على طلب ـــ تعليم اللاعنف ـــ في المدارس، وجميع منافذ التعليم، والوعظ والتوجيه، لأن المقدار الظاهر من سلوك المجتمع، يكشف عن مفاهيم خاطئة وتسامح ديني وأخلاقي واجتماعي مع العنف والقسوة، وعدم الخجل منه، والذي يتجلى في كل هذا الذي ندفع ثمنه يوميا من أرواح الضحايا، وما يتبقى سليما من أبدانهم!
وعلى الرغم من أن التصنيف الاجتماعي للمجتمع أنه متدين في طبعه وعموم سلوكه، وكثرة مساجده، إلا أن القسوة والعنف، يزدادان ولا يتناقصان، وينموان ولا يتوقفان، وهذا يعني أن البيئة المنتجة للعنف لم تتبدل أو تتغير، وأن الشعور بالذنب والإثم من فعله ضعيف قليل، وأن التعليم والوعظ قد أغفل مفاهيم ـــ اللاعنف ــــ والتسامح، والرحمة، بوصفها أركانا أساسية للتدين، وليست صفات تكميلية له، أو عارضة عليه، وأنها من الذنوب التي ليس من اليسير أن يقترفها مسلم، أو أن تستقر في صفات مؤمن سليم القلب، والإيمان.
حين نبدأ الآن بمبادئ ـــ اللاعنف ـــ فهذا يجعلنا نطمئن إلى أن مجتمعنا بعد عقدين من الزمن سيخرج للحياة يتقرب إلى الله بالرحمة بالخلق، واللين، ويسعى للمعروف، ويمثل الخير المكتمل. وبهذا نعود لما كنا عليه من زمن بعيد، "خير أمة أخرجت للناس".