كيف يشق رواد الأعمال طريقهم نحو المستقبل؟
في الوقت الذي تمر فيه الأعمال والقطاعات التجارية بتغيرات كبيرة، وتتعرض فيه رأسمالية "وول ستريت" إلى انتقادات شديدة، تعاظمت أهمية طاقة وإبداع رواد الأعمال أكثر من أي وقت مضى، كما تقول مؤسسة أدريان كابيتال Ariadne Capital ومديرتها التنفيذية.
تتطلب شخصية رائد الأعمال مزايا خاصة. وتتمتع جولي ميير (ماجستير إدارة أعمال، 97)، ومؤسسة أدريان كابيتال التي يقع مقرها في لندن ومديرتها التنفيذية بهذه المزايا.
وتقول متحدثة عن الوقت والتركيز اللازمين لإطلاق فكرة وإنجاحها: "قد يتسلل عملك كرائد أعمال إلى حياتك الشخصية ويستنفد طاقاتك كلها". وتضيف أنها تشهد في أوروبا، التي تعمل انطلاقا منها، عددا من رواد الأعمال الذين يعملون بنشاط كبير لابتكار منتجات جديدة تغير قواعد اللعبة، وبيعها لقاء مبالغ كبيرة، ومعاودة الكرة ثانية، ليصبحوا بذلك "رواد أعمال تسلسليين".
في عام 2000، ابتكرت ميير نموذجا فريدا لتمويل ريادة الأعمال في أوروبا والمملكة المتحدة، تصفه بأنه نموذج "رواد أعمال يمولون رواد أعمال آخرين"، وهو يصل بين المستثمرين المحتملين ورواد أعمال لديهم حلول خلاقة قادرة على إحداث تغيير في القطاع، ويرغبون في طرحها في السوق.
يطبق هؤلاء الأفراد نموذج الراحل ستيف جوبس، الذي عمل سنوات مديدة لبناء شركة "أبل" Apple انطلاقا من كراجه. طرحت «معرفة» التابعة لـ "إنسياد"INSEAD Knowledge على ميير سؤالا عن "أبل"، وكيف تعتقد أنها ستتدبر أمورها من دون جوبس. فقالت إن إرث جوبس سيبقى حيا، لأن عبقريته تخطت قدرته على إبداع الكمبيوترات والهواتف. وتضيف: "يبالغ الناس في التركيز على موهبته الفريدة، وعلى حدسه بالأجهزة الجميلة. لقد كان في الحقيقة، من وجهة نظري على الأقل، مهندسا استطاع أن يهندس القطاع. لقد أخذ على عاتقه قطاعي الهواتف النقالة والموسيقى، وهما قطاعان ضخمان جدا كانا يخنقان الإبداع. وجاء جوبس ليعيد صياغة الأسس الاقتصادية لهذين القطاعين. ولن يتغير ذلك بين ليلة وضحاها". وتعترف ميير بوجود مقدار معين من العبقرية لم يعد العالم قادرا على استيعابه. ولكن جوبس أبدع ما تصفه باقتصادات المنظومات البيئيةEcosystem Economics TM، التي تعتمد فيها الشركات والقطاعات على بعضها البعض اعتمادا متبادلا. وتضيف: "لقد بات العالم بمنزلة شبكة، وأدرك جوبس ذلك قبل الآخرين جميعهم".
وبينما كان ستيف جوبس رائد أعمال مميزا، تقول ميير إنها تجد رواد أعمال يحملون أفكارا لامعة أينما ذهبت. وافترضت، في البداية، أن الإبداع يتركّز في حقول الإعلام والخدمات المالية بصورة أولية. ورغم ذلك، فقد وجدت في قطاعات مزدهرة كالإنشاء والتطوير العقاري والنفط والغاز رواد أعمال يحاولون تطوير هذه القطاعات من خلال تقنيات التمكين. وتعتقد ميير أن رواد الأعمال هؤلاء هم الحل للمشكلات الاقتصادية التي يعانيها العالم.
تزعم ميير أن: "الناتج المحلي الإجمالي الذي نتوق إليه في أوروبا وأمريكا الشمالية يجب أن يكون ثمرة نمو جديد وإيرادات جديدة. يوجد الكثير جدا من الأشياء التي يمكن تكرارها، ولكن هناك محدودية في التكاليف التي يمكن تخفيضها من النظام". صحيح أن الشركات الكبيرة تملك أصولا كثيرة من قبيل العلامات التجارية العريقة والعملاء والقدرة على النمو، ولكنها على الأرجح ليست بمستوى النجاح نفسه على صعيد الإبداع.
وتعتقد ميير أن رواد الأعمال يتمتعون بموقع جيد لتجديد القطاعات الضخمة المزدهرة، من خلال إيجاد مصادر إيرادات جديدة، وإنشاء نماذج أعمال عالية النمو. وتصف العلاقة بين رائد الأعمال والشركة بأنها "صراع غير متكافئ". وتشبّه الوضع بما حدث بين داود وجالوت العملاق، حيث الشركات الناشئة الصغيرة تتحدى نماذج أعمال الشركات الضخمة العريقة. وتقول ميير: "أراهن على قدرة داود الرقمي على تغيير الشركات الجالوتية".
وتعتقد ميير أن المخرج من الكساد العالمي يجب أن ينبع من النمو، وليس من مجرد تخفيض النفقات. ويجب أن تتمتع الشركات الذكية ببعد نظر يمكِّنها من معرفة أين يتجه العالم، ويسمح لرواد الأعمال بامتطائها لإنتاج مصادر إيرادات جديدة. وتضيف أن على الحكومات أن تطلق حوافز تشجع الشركات على الاستثمار في رواد الأعمال الذين سينتجون تقنيات التمكين ونماذج الأعمال المستقبلية عالية النمو، التي تسهم بالتالي في ظهور أنواع جديدة من الوظائف، وفي إعادة تشكيل المجتمع.
تشكّل ريادة الأعمال، أو الرأسمالية الفردية، من وجهة نظر ميير، قوة جبارة، لأنها "تنظم الناس وتطلق العنان لإبداعهم في حل مشكلات العالم على المستويين الكلي والجزئي، فضلا عن تسريع المستقبل".
ومع توجه السوق نحو الشبكة والإنترنت، تقول ميير إن الناس لم يعودوا مضطرين للعمل لمصلحة شركات متعددة الجنسيات كي يؤثروا في العالم. لقد بات بوسعهم فعل ذلك من طاولة المطبخ في المنزل. "يرغب بعض الناس، رجالا ونساء من جميع الأعمار، في نقل خبراتهم إلى العالم. فهم يرغبون في إنشاء تجارة إلكترونية أو أن يكونوا مستشارين. ويودون العمل بأعمال خاصة، أو بمفردهم انطلاقا من منازلهم".
إذا كانت ميير تراهن على أن رواد الأعمال هم المستقبل، فإنها تراهن أيضا على النساء. ثمة خصائص اتسمت بها قيادة النساء تاريخيا، مثل التركيز على ديناميات المجموعة، وحسن الإصغاء، والتقمّص العاطفي، والذكاء العاطفي الكبير، باتت تكتسي حاليا بأهمية أكبر.
لاحظت ميير في حياتها الخاصة أن النساء اللواتي يتمتعن مثلها بعلاقات وثيقة مع آبائهن، قد كبرن وأصبحن راشدات واثقات متسلحات بالقدرات والإمكانات. وسعيا منها لتشجيع عدد أكبر من الآباء على تعزيز صلاتهم مع بناتهم، أسست ميير مؤسسة الآباء والبنات Dads and Daughters Foundation. وتعتقد أن على الآباء إيصال رسالة إلى بناتهم مفادها أن الفتيات الشابات قادرات على النجاح في أي شيء يصممن على تحقيقه. لكن ما يحدث هو أن معظم الفتيات يقال لهنّ في مرحلة مبكرة من العمر إن الجمال أو الزواج هو الأمر المهم. وتقول ميير: "أعتقد أن بمقدور الجميع أن يقدّم مساهمة مهمة. إن لم نخبر فتياتنا الصغيرات بهذا، فلماذا يجب أن نفاجأ عندما يضطربن في سن الـ 23 إن لم يكنّ قد تزوجن بعد؟".
تعتقد ميير أن دافع النجاح لدى النساء يجب أن ينبع من الداخل، ومن وضعهن الواثق المتمكن، عوضا عن تخصيص حصص لهن من قبل الآخرين، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجريد النساء من تأثيرهن في نهاية المطاف. "لن يقبل الرجال أبدا بوجود شخص ما لأنه يفرض عليهم".
وتقول ميير إن الوقت الحالي هو الوقت الملائم كي تتألق النساء. "وعلى الرغم من أن استغلال النساء لا يزال موجودا بكثرة، ورغم حدوث أمور فظيعة في سائر أرجاء العالم، ثمة شيء واحد أعرفه. سنشهد، في غضون 20 عاما، عالما قامت النساء بصياغته. وعلى مستوى البلد، ومستوى الشركة والعائلة، لا شك في أن دور النساء في المجتمع في ازدياد، وأنا حقا أشعر شعورا رائعا حيال ذلك".