رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الهوية الجماعية .. القلعة المنيعة

كتبت في هذه الصفحة عدة مرات عن الهوية، كما سبق لي أن أجريت بحثا عن موضوع الهوية عرض في أحد المؤتمرات. دعاني لإعادة الكتابة حول الموضوع ما حدث الجمعة الماضي حيث محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وتأتي أهمية الكتابة حول الموضوع لما للهوية الفردية أو الجماعية من توجيه للسلوك، وتشكيل للشخصية الفردية والجماعية.
الأحداث التي حدثت في الشارع التركي استثارت اهتمامي وربما غيري من المشاهدين للشاشة، والمتابعين للأخبار عبر الوسائط كافة، ومما شدني بشكل كبير الجموع الغفيرة التي نزلت في الشوارع لمجرد كلمة مقتضبة قالها الرئيس أردوغان عبر «سكايب» لم تتجاوز 12 ثانية، فكانت الجماهير على أهبة الاستعداد للاستجابة دفاعا عن مكتسباتها المتمثلة في الحرية والديموقراطية.
تركيا ليست المرة الأولى التي يحدث فيها انقلاب، ويستسلم الشعب لإرادة العسكر، ويسيرون في الاتجاه الذي يريد، عدا انقلاب عام 1980 الذي قاده كنعان إيفرين، وحدث ضده بعض المقاومة، والرفض، خاصة من الطلاب بكل توجهاتهم، لكن هذه المرة الشعب بكامله، وبكل انتماءاته السياسية، والعرقية، واختلاف مهنه، ومستوياته العلمية تحرك رفضا للانقلاب، ومواجهة الدبابات، والعساكر المتسلحين بمختلف الأسلحة.
لماذا حدث هذا الشيء؟ هل نزل الناس دفاعا عن أردوغان؟ كلا، بل لا بد من وجود مبررات أقوى، وأهم من الدفاع عن شخص، حتى وإن كان رئيس الدولة. الـ 13 عاما التي حكمت فيها هذه الحكومة تركيا حققت إنجازات كبيرة جدا، إن على مستوى الاقتصاد، أو المستوى التعليمي، أو الحريات العامة، والإصلاحات السياسية. اقتصاديا كانت الليرة ضعيفة مقابل العملات الأخرى، وأتذكر في عام 1980 عندما زرتها كان الريال يعادل آلاف الليرات، وخلال الحكومة الحالية أصبحت الليرة تقارب الدولار الأمريكي، كما زادت صادرات تركيا لتبلغ مئات المليارات مع ارتفاع دخل الفرد وتضاعفه أربع مرات، وزيادة الاحتياطي الوطني من العملات الأجنبية بما يقارب خمس مرات.
الجانب التعليمي افتتحت عشرات الجامعات، وتحول الوطن إلى ورشة عمل لعديد من المؤتمرات، والندوات، وورش العمل المتخصصة التي يحضرها كل المتخصصين من جميع أنحاء العالم، ونتيجة لذلك تم تصنيع الدبابات، والطائرات، والغواصات، ومركبة فضاء ما أوجد شعورا بالفخر، والثقة بالنفس لدى الأتراك. وفي المجال السياسي وجدت الأحزاب نفسها في مناخ حر تعمل دون قيود، وتتنافس وفق أسس ديموقراطية شفافة، وانتخابات نزيهة لا يعتريها الشك والتزوير، كما يحدث في عالمنا العربي الذي يفوز فيه الرئيس بنسبة 99.99 في المائة.
ترى ما علاقة كل هذا بالهوية؟ ما من شك أن الوطن الذي يجد فيه كل مواطن نفسه ليس مستبعدا لأي سبب، وتتوافر المنافسة الحرة الشريفة سياسيا، واقتصاديا، وفي مجال الأعمال، إضافة إلى الشفافية الحكومية، والنزاهة، ومحاربة الفساد، أيا كان مصدره، و شعور الفرد بعضويته في مشروع وطني كبير لا يستثنى فيه أحد، تمثل ثوابت، ومكتسبات لكل الناس، تتحول كل هذه الأشياء إلى أسس تتشكل من خلالها الهوية الجماعية، فالجميع يشتركون في هذه الأشياء حتى أن كل فرد يشعر كما لو أن هذه الأشياء ملكه الخاص، كبيته، وسيارته، ولذا جاءت الاستجابة العفوية السريعة في الدفاع عن المكتسبات، وغابت النزعات الفردية ذات الطابع العرقي، والثقافي، وغابت محفزات المصالح الشخصية، لتكون النتيجة القضاء على الانقلاب.
النجاح في إيجاد مشاريع وطنية تربوية، واقتصادية، وصناعية، وثقافية ينخرط فيها الجميع، ويلتفون حولها يمثل الخطوة الأساس في إيجاد هوية وطنية جامعة يعتز بها الجميع ويدافعون عنها في زمن الأزمات والقلاقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي