التعليم التفاعلي في خدمة المجتمع والشركات
لا يتقبل معظم طلاب المدارس الثانوية مادة الفيزياء التي غالبا ما تكون معقدة وتتضمن نظريات يصعب فهمها وتطبيقها. يعتبر هذا أمرا طبيعيا وفقا لـفيل باركر أستاذ كرسي في علم الإدارة في كلية إنسياد. وبحسب قوله فإن 80 في المائة من الأطفال في عمر 12 عاما لا يرغبون في دراسة الفيزياء، ولكنها تعتبر من المواد الضرورية، فهي مادة أساسية لفهم الهندسة، والكمبيوتر، والسيارات، وموجات الراديو وغيرها، كما يساعد فهم قوانين الفيزياء الشركات على الابتكار.
كيف يصبح بالإمكان جعل هذه المادة مثيرة لاهتمامنا؟ يعتبر التحدي الأكبر في شكله الحالي في كونها لا "ترى على أرض الواقع". فهي عبارة عن صيغ غير مفهومة بالنسبة للأشخاص الواقعيين أو البصريين. ولكن ماذا لو طوعناها أو قمنا بتعديلها إلى شيء ترغب وتهتم به؟ قد يكون مثلا نوعا من أنواع الرياضة كركوب الأمواج أو كرة القدم أو الباليه، هذا ما يتناسب مع الأطفال في عمر الثانية عشرة. يعمل باركر في هذا النوع من الابتكار، بتطوير منصات تعليمية بشكل يلائم الاهتمامات الفردية. وهو ما يطلق عليه "هايبر سترات" ولكن هذا الاسم مجرد رمز للمشروع، ومن الجدير وصفها بـ "فرط التخصص". وبتمويل من "مؤسسة بيل وميليندا جيتس"، استطاع باركر بالفعل إنشاء مواد تعليمية وألعاب بالتقنية ثلاثية الأبعاد تضم كميات هائلة من البيانات المحلية بهدف مساعدة المزارعين في بعض أفقر الأماكن في العالم على زراعة وحصد محاصيلهم بشكل أكثر كفاءة. حيث تستطيع الألعاب التي صممها "باركر" تحديد جميع العوامل بما فيها الطقس وصولا إلى نوعية التربة لتتناسب مع المواقع الجغرافية النائية (بالإمكان معرفة المزيد من خلال كلمته في مؤتمر "تيدكس").
ساعدت خوارزمياته في الكمبيوتر على صياغة كتب دراسية بلغات تكاد تكون معروفة بهدف المساعدة في تعزيز محو الأمية في الأماكن المعزولة. كما يعرض له موقع "أمازون" 800 ألف كتاب للبيع. ويوضح فيديو على موقع "يوتيوب" كيفية عمل برامجه. ويقول باركر: "عند زيارتك أحد متاجر بيع الكتب في الولايات المتحدة تجد قسما كبيرا يقوم على الخدمة الذاتية ويحتوي على عدد كبير من الكتب. وتجد - هكذا -قسما في متاجر الكتب في فرنسا أيضا ولكن حجمها أصغر بكثير. فقد تظن أن الأمريكيين بحاجة أكثر إلى المساعدة من الفرنسيين، ولكن في الحقيقة أن عدد الأشخاص الذين يتكلمون الفرنسية أقل بكثير، وبالتالي فإن اقتصاديات النشر باللغة الفرنسية ليست جيدة ببساطة. ومن المرجح أنك لن تجد أية مواد إذا ما قصدت لغات أخرى". كما له آثار واسعة النطاق على مستويات محو الأمية في البلدان النامية ويقطع شوطا طويلا في شرح أسباب بقاء العجز الكبير في التعلم في مرحلة الطفولة في الأماكن الفقيرة. هذا ما كان يحاول إصلاحه ويقوم حاليا بتطبيق المبادئ نفسها على تعليم التنفيذيين. يقول باركر: "الغاية من المواد التي نوزعها على المجموعة، هي رفع كفاءة الأشخاص المشاركين في مجال اهتمامهم وليس فقط زيادة اهتمامهم به. نحن نقوم بتوزيع المواد ذاتها على المشاركين، ولدينا محاضرة واحدة تساعدهم على استقراء أنفسهم. لم نعد بحاجة إلى ذلك في الوقت الذي نستطيع فيه إعطاءهم مواد محددة، كل شخص بحسب شركته ومستواه الوظيفي، وطبيعة المنافسة".
تتخذ شكل استمارة على الإنترنت في الفصول الدراسية، حيث يتمكن كل مشارك من تعديل المحتوى، كل منهم حسب حالته. فشخص متخصص في إدارة الموارد البشرية يعمل في مجال صناعة الأدوية في جنوب إفريقيا، وآخر صاحب منصب تنفيذي في شركة نفط في كندا، سيتلقيان التعليم نفسه في منهجيات التخطيط الاستراتيجي، ولكن سيكون بإمكان كل منهما تحويلها بما يتناسب مع ظروف عمله الخاصة.
ويقول باركر "لا نطبق حاليا الشيء ذاته في كليات إدارة الأعمال". وقد طوّع هذا الأسلوب ليلائم عملاء ثلاثة برامج مختلفة لتعليم التنفيذيين في كلية إنسياد، وهو متاح للمشاركين الجدد، وقد لاقى قبولا جيدا إلى الآن. وصرح بأنه للمرة الأولى يحصل على تقييم عال بالنسبة لكل من المواد وطريقته في التعليم.
جمع كل من باركر وفريقه المواد الدراسية المتاحة في منصة واحدة بإمكانها تلخيص نحو 250 كتابا دراسيا لأهم مواضيع الإدارة. تتيح البيانات الموجودة إمكانية التعمق في تخصصات محددة جدا. كما تساعد الخوارزميات المستخدمة في هذه المنصة، المشاركين في البحث عن معلومات تخص شركاتهم والمنافسين والسوق، بشكل أكبر مما يستطيع "جوجل" إيجاده. كما بإمكانها تلخيص المعلومات المعروضة لتسهيل فهمها. واستعرض باركر قوالب مخصصة لنماذج معينة مثل تخطيط المحافظ، ونموذج القيمة، وغيرهما، التي تساعد على إعداد مواد العرض بسرعة عالية بهدف الدراسة أو تطبيقها بشكل عملي. وبحسب باركر، يمكنك تغيير هذه القوالب لتتناسب مع المجال الذي تريده.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد. حيث يعمل باركر على نوعية أخرى من الابتكارات مثل التجوال الافتراضي. كالألعاب التفاعلية الثلاثية الأبعاد التي تتيح للمستخدم التجوال في المكتب بشكل افتراضي. ويقول باركر في هذا الشأن: "عند تعيين شخص جديد في المؤسسة، يقومون بتعريفه بمكتبه، ومقر عمله، والأشخاص الذين من المفترض الاجتماع بهم، فبدلا من ذلك بإمكانك استخدام التجوال الافتراضي حيث بالإمكان الدخول في الفضاء الثلاثي الأبعاد المطابق لتصميم مكان العمل، والتجوال فيه ومقابلة الناس، من ثم التحدث عن خبرته".
مكتبه مستطيل الشكل، وهناك ألواح الكتابة معلقة على جميع الجدران، الجو حار بسبب وجود عديد من أجهزة الكمبيوتر التي تعمل على شفط الهواء البارد، حيث تقوم بمعالجة البيانات. يبدو أشبه بمختبر صغير مضغوط في غرفة اجتماعات صغيرة. تصدر التكنولوجيا صوت أزيز، ويعمل على تغيير الرموز والبرمجيات. علاوة على ذلك، يقوم باركر بتطوير تطبيق يتيح رؤية واضحة عن كيفية التعلم داخل المؤسسة، حيث يمكّن الموارد البشرية من التعرف على الطريقة التي يتعلم من خلالها الموظفون، وما أنجزوه، بشكل يشابه مركز قيادة ولكن في مجال التدريب في الشركات. وأضاف "ترغب المؤسسات في معرفة نوعية التعليم الذي تقدمه والتعديلات المطلوب إجراؤها ".