علم نفس الاستدامة .. الفجوة بين القيم والسلوكيات
يدرس علم النفس البيئي الذي بزغ في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين مجموعة من التفاعلات المعقدة بين الإنسان والبيئة. والفجوة بين القيم والسلوكيات هي تلك المساحة التي تظهر عندما تكون القيم (الشخصية والثقافية) أو المواقف الخاصة بالفرد لا تتفق مع أفعاله، وبشكل أعم فهي الفرق بين ما يقوله الناس وما يفعلونه. وترتبط هذه العبارة بالجغرافيا البيئية المتعلقة بالمواقف والسلوكيات المحيطة بالمشكلات البيئية. وعادة تؤثر المواقف على السلوك؛ إلا أن العكس قد يسود في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بالمواقف والقيم البيئية. والنتيجة هي وجود فجوة بين القيم العليا التي يضفيها الناس على البيئة الطبيعية والمستوى المنخفض نسبيا لسلوكيات الأفراد المتخذة لمواجهة المشكلات البيئية.
وفي السنوات الأخيرة درس الباحثون أيضا كيفية تغير الممارسات الاجتماعية المشتركة مع مرور الوقت بالتزامن مع التغير التقني. وعندما يتعلق الأمر بالبيئة يكون من المألوف أن يقول الناس شيئا ويفعلون شيئا آخر. فالجميع قد يصرحون- عند توجيه الأسئلة إليهم - أننا نهتم بإعادة التدوير والتلوث وتغير المناخ وإهدار الطاقة. وقد تكون لدينا إمكانية الوصول إلى كثير من المعلومات حول الآثار البيئية الناتجة عن سلوكياتنا، إلا أن الناس عادة ما يفشلون في تغيير سلوكياتهم.
وقد اهتمت العلوم الاجتماعية لسنوات عديدة بهذه الظاهرة التي أطلق عليها الباحثون "الفجوة بين القيم والسلوك". وفي سبعينيات القرن العشرين بدأت الحكومات في إطلاق الحملات التثقيفية مثل حملة ترشيد استهلاك الطاقة في المملكة المتحدة "رشد الاستهلاك". ويبدو أن القائمين على الحملة افترضوا أن إعطاء الناس المعلومات حول الآثار البيئية لقراراتهم من شأنه أن يقودهم إلى النظر في أولوياتهم وتغيير سلوكياتهم. ومع ذلك فإنه سرعان ما أصبح واضحا أن هذا المنهج مصيره الفشل.
وفي ثمانينيات القرن العشرين بدأ علماء النفس الاجتماعي البحث عن العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تفسر أسباب ذلك. وأحد العوامل المعترف بها هو أننا إذا لم نواجه عواقب أفعالنا مباشرة فمن غير المرجح أن نغير سلوكياتنا، فعلى سبيل المثال لا تكون الصلة بين الطيران وتغير المناخ واضحة على الفور. وبشكل أكثر عموما فإن الضرر البيئي يميل إلى الظهور نتيجة لعمليات معقدة وبعد فترة طويلة من الزمن. وعدم التعرض مباشرة للضرر يعني شعورا أقل بهذا الضرر، ونتيجة لذلك نصبح أقل شعورا بالمسؤولية والحاجة إلى تغيير سلوكنا.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه أهمية القضايا البيئية على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، تحتاج الآثار السلبية لوسائل الانتقال الشخصية على البيئة إلى اتخاذ إجراءات بشأنها. وتستحوذ الاستخدامات المنزلية للأجهزة الدنيوية بل الغريبة، بما في ذلك الغلايات والمدافئ وأحواض المياه الساخنة، على أهمية عاطفية ثرية كونها تعد جزءا أساسيا ما يعتبره الناس عناصر للحياة التي تستحق أن تعاش. ويشير بحثنا إلى أن السبب في شعورنا بالانفصال عن عواقب استخدام الطاقة، هو أن هذه الأجهزة تصبح جزءا فطريا من هويتنا، وتصبح شيئا لا نفكر حتى في محاولة تغييره.
وفي كثير من البيئات السائدة تحمل مناقشة الطاقة في المجتمع معنى أن ما يراه الناس طبيعيا يمكن أن يكون محل "اختبار". وهذا يمكن أن يساعد الناس في إعادة تقييم مستويات استخدام الطاقة، وكذلك يجعل من الممكن تبادل خبرات النجاح والفشل في استخدام طاقة أقل.
وتعتمد التنمية المستدامة على التحولات الجوهرية في المواقف التي يتخذها المواطنون الأفراد تجاه البيئة واستخدام الموارد الطبيعية. وهناك حاجة إلى تطوير إطار مفاهيمي لتنظيم مختلف الحواجز والدوافع للعمل البيئي الفردي. وهناك حاجة ملحة ووشيكة للقبول الاجتماعي للعمل البيئي بين أفراد الجمهور. ويمكن تشجيع الإقبال وزيادة القبول عبر مناقشة تقنيات الطاقة المتجددة مع الجيران الموثوقين أو من خلال التجارب الشخصية.
وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية يجب التركيز بشكل أكبر على التفاوض بخصوص الشراكات الأكثر حساسية للتنوع المجتمعي المحلي، التي تنطوي على توزيع أكثر إنصافا للمسؤوليات بين مختلف أصحاب المصلحة البيئية.