رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لا أهمية لذروة استهلاك البترول

في الماضي القريب، كنا نتحدث عن ذروة إنتاج البترول. وقد أثار هذا الموضوع كثيرا من الجدل والحوارات العقيمة، بين من كانوا يصرون على بلوغ ذروة الإنتاج قبل سنوات، ومجموعة أخرى يؤكدون استبعاد بلوغها خلال السنوات القليلة المقبلة. وحجة الفئة الأخيرة الإضافات الجديدة إلى الاحتياطي العالمي من أنواع النفوط غير التقليدية على الرغم من ضآلة فاعليتها لصعوبة وقلة كميات إنتاجها. ولعدم وضوح التعريف الحقيقي للذروة المقصودة دور كبير في عدم الوصول إلى اتفاق بين الأطراف المعنية بمستقبل الإنتاج. واليوم نعود إلى فتح باب جديد يتعلق بذروة من نوع آخر، إنها ذروة استهلاك المصادر الهيدروكربونية، كالمشتقات البترولية والغاز والفحم. وسنلاحظ أن الحديث يتطرق إلى كميات الاستهلاك فقط ولا يذكر حال مستوى الإنتاج خلال السنوات المقبلة، مع أن الاثنين مرتبطان معا. ونستشف أيضا من فكرة الحديث عن وصول ذروة الاستهلاك أن القصد من الدراسة هو التنبيه إلى احتمال وجود وفرة بترولية في السوق تضغط على الأسعار. وهو ما نستبعد حدوثه، حسب المعطيات المتوافرة لدينا اليوم، كما سوف يتضح لاحقا. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن الشركات العالمية لا تزال، وعلى الرغم من تدني الأسعار حاليا، تبذل جهودا جبارة وتصرف مبالغ كبيرة في عمليات التنقيب. وقد تحدثت وسائل الإعلام أخيرا عن عزم شركة شفرون الأمريكية العملاقة على استثمار ما يقارب 40 مليار دولار لتطوير حقل تنجيز في كازاخستان. وسوف يكون إنتاجه مكلفا ويتطلب سعرا مرتفعا للبرميل، ما لا يتناغم مع فكرة نزول أسعار البترول، وإنما العكس هو الأكثر احتمالا.
فقد نشر موقع مكنزي خلال الأيام القليلة الماضية تقريرا مختصرا، ومعتدلا في الرؤية، حول توقيت احتمال وصول استهلاك المشتقات البترولية إلى الذروة ابتداء من عام 2025. وهو ما يعني أن أي إضافة للإنتاج وقتها، وهو أمر مشكوك في حدوثه، ربما تكون فائضا في السوق البترولية وينتج عنها، بطبيعة الحال، حركة نزول في الأسعار. ولم يكن تقرير مكنزي آنف الذكر الأول في هذا المجال، فقد سبق وظهرت دراسات تناولت الموضوع نفسه وتنبؤوا بنتائج مشابهة ولكن بتواريخ مختلفة. ونحن هنا لا تهمنا النتائج التي توصلوا إليها ولا التواريخ، فقد يكون أحدها قريبا من الواقع ويحدث فعلا. ولكن الذي يلفت النظر في مضمون تلك التقارير والدراسات هو إغفال أو حذف أي إشارة لأحوال كميات الإنتاج المتوقعة خلال السنوات المقبلة، وهو عامل مهم. فلو فرضنا أن الاستهلاك بلغ الذروة في وقت ما، كما هو مذكور في الدراسة، ولكن كمية الإنتاج العالمي المتوافر حينها تكون أقل من مستوى الطلب، فحينئذ تقل أهمية ذروة الاستهلاك.
لا نعلم سببا لعدم دراسة مستقبل الإنتاج ومقارنته بمستوى الطلب خلال السنوات القليلة المقبلة، من قِبَل تلك المؤسسات المتخصصة، لكي تكمل الصورة وتظهر بنتيجة مقبولة. وربما أن ما يعيق جهودهم في هذا المضمار، كون خلفية معظم من يقومون بالدراسات البترولية تخلوا عن العمل الميداني والتخصصات العلمية. ومن جهة ثانية، فعدم وجود أدنى نسبة من الشفافية حول ما يتعلق بالاحتياطيات البترولية يجعلهم يعتمدون على الأرقام التي تنشرها شركات البترول، وهي مضخمة إلى حد كبير ولا تعطي معنى يساعد على دراسة مستقبل كميات الإنتاج. ولذلك فنود التوضيح أن 90 في المائة من الإنتاج العالمي اليوم مصدره حقول أغلبها قد عفا عليها الزمن وبلغت ذروة الإنتاج منذ أمد بعيد. والحديث في هذا المقام يتمحور حول ما يطلق عليه البترول التقليدي الذي يمد العالم يوميا بما يقارب 90 مليون برميل. أما غير التقليدي الذي إنتاجه اليوم أقل من 10 في المائة من الإنتاج العالمي، فهو مكلف وكميات إنتاجه ضئيلة مقارنة بالتقليدي الرخيص. وعندما نذكر ضآلة إنتاج غير التقليدي نعني بذلك أننا نحتاج إلى حفر أكثر من عشرة آبار غير تقليدية، على سبيل المثال، مقابل بئر واحدة تقليدية لإنتاج الكمية نفسها، خصوصا البترول الصخري. والإنتاج العالمي من السوائل البترولية في الوقت الحالي في حدود 96 مليون برميل يوميا، والاستهلاك حاليا يقل عن هذا المستوى بنسبة صغيرة. وهو على وشك الانخفاض بسبب النضوب الطبيعي. ومن المعلوم أن اكتشاف حقول جديدة من نوع التقليدي الرخيص وبحجوم متوسطة أصبح من الماضي. ومع ذلك فلا تزال شركات البترول حول العالم تبذل جهودا مضنية لاكتشاف مزيد من المصادر الهيدروكربونية الجديدة والشحيحة، دون حظ يذكر. وفي أغلب الأحوال فإن الأموال التي تصرفها شركات البترول اليوم، على ضخامتها، تساعد فقط على إبقاء الإنتاج عند مستواه الحالي، في مجال حفر مزيد من الآبار وإنشاء مرافقها الضرورية. ولولا هذا الصرف السخي لهبط الإنتاج سنويا بما لا يقل عن أربعة ملايين برميل، نظرا لغياب أي اكتشافات جديدة ذات مخزون كبير. وهذا لا يعني على الإطلاق أننا سنحافظ على مستوى الإنتاج الحالي لسنوات طويلة بمجرد أن نزيد الإنفاق. فقدرة الحقول المنتِجة لها حدود، وسينخفض الإنتاج قسريا وبتسارع قد يفاجئ الكثيرين. وهو ما يعني أن هناك احتمالا كبيرا لحدوث نقص في الإمدادات البترولية قبل أن يصل الطلب أو الاستهلاك إلى ذروته، كما تنبأت مؤسسة مكنزي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي