حفظ النعمة

أذكر أنني سكنت في حي أغلب قاطنيه مرتبطون أسريا، كان الواحد منهم يقف بعد الصلاة فيدعو الجميع للعشاء في منزله إن كانت لديه وليمة لأي سبب. استغربت كيف يفعل المضيف ذلك والمسجد يتجاوز المصلون فيه الـ 200، دون أن يقع في حرج، فذكر لي أحد الجيران أن المضيف يقف بعد الصلاة ويدعو الناس دفعا للعتب، وإلا فهو قد دعا من يرغب دعوتهم قبل ذلك. تبقى كثير من النعم بصدد الإهدار حتى وإن اتفق أهل الحي على مثل هذا الرأي.
تنتشر هذه الأيام جمعيات حفظ النعمة التي يديرها مواطنون وجمعيات خيرية ونفع عام. آخر هذه الجمعيات بدأت أعمالها في منطقة عسير، وهي منطقة تشتهر بكثرة الحفلات خلال الصيف وفيها الكثير مما يمكن أن يحفظ من النعم التي قد يكون أغلب الهدر فيها بسبب توقع أعداد من الضيوف لا تحضر ولا تعتذر. هذه الإشكالية غالبة في كثير من مناطق المملكة بسبب كثرة الارتباطات وعدم الإيمان بمفهوم الاعتذار الذي هو الوسيلة الأهم في تحديد كميات الطعام التي يعدها المضيف. رغم أن حضور جميع المدعوين لن يضمن استهلاك كل الطعام الذي يجهزه المضيف إلا أنها تسهم في خفض الهدر الذي يعتبر مشكلة كبرى وواضحة للجميع.
ظهر أخيرا أسلوب مختلف وهو الدعوة عبر الـ "واتساب"، هذا التطور زاد من خطر هدر النعم الذي نشكو منه، فمن يدعو كل من في مجموعة معينة أو قائمة اتصال مخطئ سواء حضر من دعاهم أم لم يحضروا. إن هو دعا الناس فسيعد من الطعام ما يكفيهم، والغالب أن أكثرهم لن يحضروا.
في المقابل هو لن يضمن أن الأغلبية لن يحضروا، فهو بهذا يضع نفسه في موقف حرج، ما يعيدنا إلى المربع الأول وهو التأكد من المدعوين ومعرفة من سيحضر ولو بنسبة منطقية يمكن القياس عليها. يغلب على الدعوات في دول العالم الأخرى وفي الحفلات الرسمية، طلب تأكيد الحضور وهو أمر مفيد، رغم أن الكثيرين عندنا لا يحترمون هذا المبدأ، لأنه أمر جديد على الأغلبية ولقناعة مفادها أنني شخص واحد وحضوري من عدمه لن يؤثر بشيء وهذا تصور خاطئ بالتأكيد فلو قال 50 شخصا هذا الكلام، فهو يعني نسبة كبيرة ونعما كثيرة متجهة نحو الهدر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي