اللاجئون المسنون .. وقدرة المجتمعات على الصمود

تشهد سورية، من حيث معدل النزوح القسري بالنسبة لسكان بلد ما، واحدة من أسوأ المآسي منذ الحرب العالمية الثانية. فقد اضطر ما يقرب من نصف سكان البلاد إلى النزوح قسرا. وهناك 4.8 مليون لاجئ خارج البلاد، معظمهم في تركيا (2.7 مليون)، ولبنان (1.05 مليون)، والأردن (640 ألفا). وتقدم أكثر من مليون لاجئ سوري بطلبات للحصول على حق اللجوء في أوروبا منذ عام 2011، 900 ألف منهم في عام 2015 وحده. إضافة إلى ذلك، هناك ما يقرب من سبعة ملايين سوري نازحين ومشردين داخليا، وهو ما يمثل 40 في المائة من تعداد السكان الذين لا يزالون في سورية.
هذه أرقام مذهلة، وقد أجريت الكثير من الدراسات التحليلية حول قضية النزوح القسري، وخاصة بعد التدفق الهائل المفاجئ إلى أوروبا في عام 2015. وبصرف النظر عن القضية الأوسع نطاقا للنزوح القسري، فقد حصلت كل المجموعات السكانية على اهتمام كبير ـــ من النساء والأطفال والشباب. وكانت المجموعة السكانية الوحيدة التي لم تلق اهتماما كافيا نسبيا هي اللاجئين من كبار السن، التي تشير في هذه الحالة إلى اللاجئين الذين يبلغون من العمر 60 عاما فأكثر وفقا للتعريف الذي تستخدمه مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين. ولا يزال الكثير منهم يتمتعون بالحيوية والنشاط، وقد أوضح مسح استقصائي صدر أخيرا عن المنظمة الدولية غير الحكومية لمساعدة المسنين والمنظمة الدولية للمعوقين أنه عندما يكون هناك كبار سن موجودين في عائلة، فإنهم يمثلون أرباب الأسر في كل ست من بين عشر أسر وأن 13 في المائة من الأسر يقوم فيها كبار السن بدور رب الأسرة. ومن ثم، فإنه عندما تظهر جوانب الضعف بين كبار السن بشكل عام، فإن الاعتراف بدورهم الحيوي يقل كثيرا الذي غالبا ما يتجاوز أسرهم ويتجاوز أيضاُ مجرد تقديم الدعم المادي لمجتمعاتهم المحلية التي تعاني الصدمة.
قبل الحرب، كان نحو 6 في المائة من عدد سكان سورية فوق سن الـ 60، أو نحو 1.5 مليون من مجموع سكانها البالغ عددهم 22 مليون نسمة. ومع ذلك، فإن نسبة من يبلغون من العمر أكثر من 60 عاما بين اللاجئين تراوح بين 2.5 في المائة في لبنان إلى 3.2 في المائة في تركيا و 3.5 في المائة في الأردن. وهذه ليست ظاهرة فريدة من نوعها في الحرب السورية، فقد أشارت دراسة منذ عام 2002 إلى أن كبار السن "يترددون في ترك مجتمعاتهم المحلية رغم أن البقاء يضعهم في خطر متزايد من حيث الإصابة والموت.. وقد تتوقف معاشاتهم التقاعدية، وقد يفقدون استثماراتهم في بناء المساكن، والأعمال التجارية. وقد لا تتوافر الخدمات الطبية مثل الرعاية الصحية الأولية، والأدوية، والأجهزة الطبية مثل وسائل السمع اللازمة للأمراض المرتبطة بالشيخوخة والإعاقة، أو قد لا تعتبر من الأولويات". ولا تتوافر سوى بيانات قليلة عن نسبة المسنين بين النازحين والمشردين داخل سورية، ولكن من المرجح أن تكون نسبتهم في الداخل أعلى من نسبتهم بين اللاجئين خارج البلاد، وهناك بعض المؤشرات التي تفيد بوجودهم بشكل غير متناسب بين الفئة الأكثر تضررا من الجوع وغيره من الأمراض والعلل في المدن والأحياء السورية المحاصرة.
ويعتبر جانب الرعاية الصحية للاجئين المسنين أكثر جوانب الضعف والقصور وضوحا التي تمس، تلك الخدمات الصحية التي تتطلب نفقات كبيرة من الأموال خاصة في لبنان وكذلك أيضا في الأردن، ويعتبر ذلك أمرا حساسا لأن الكثير من كبار السن يتخلون عن علاجهم لكي يتركوا مدخراتهم لأسرهم. أما في تركيا، على الرغم من أن الرعاية الصحية متاحة مجانا للاجئين السوريين المسجلين، فإن اللغة تمثل عائقا كبيرا في الحصول عليها. وأشار مسح استقصائي في لبنان إلى أن "ثلثي اللاجئين المسنين وصفوا حالتهم الصحية بأنها سيئة أو سيئة للغاية. حيث يعاني 60 في المائة منهم ارتفاع ضغط الدم، و47 في المائة مرض السكري، وأشار 30 في المائة منهم إلى أنهم يعانون شكلا من أشكال أمراض القلب. وأشار 87 في المائة منهم إلى أنهم يعانون صعوبات في القدرة على تحمل تكلفة الأدوية.. وذكر 47 في المائة أنهم يعانون صعوبة في المشي، و24 في المائة فقد القدرة على الرؤية. وهناك 10 في المائة غير قادرين جسديا على مغادرة منازلهم و4 في المائة طريحو الفراش"، وعادة ما يقلل اللاجئون المسنون أيضا من تناول الطعام، لأنهم في كثير من الأحيان يريدون أن يتركوا المزيد من الطعام لأسرهم، وتتزايد بينهم أيضا معدلات مشكلات الصحة العقلية. كما يمكن أن يمثل الحصول على الخدمات، سواء النقل المناسب أو المأوى أو التعامل مع متاهات الأجهزة البيروقراطية، تحديا خاصا.
في حين أنه في ظل الحالة اليائسة التي تواجهها هذه المجتمعات المحلية، عادة ما تتدفق الموارد الشحيحة الواردة من داخل المجتمع المحلي ومن الجهات الخارجية التي توفر المساعدة إلى الأطفال وأمهاتهم، ثمة قضية تفوق القضية الإنسانية وتتعلق أيضا بتوفير المزيد من الموارد للاجئين المسنين لأنهم يوفرون أصولا تعود بالنفع على المجتمع كله "يكتسب كبار السن عادة المزيد من الاحترام في مجتمعات اللاجئين، وهم قادرون على أن يكونوا مفاوضين أكثر فعالية مع المجتمعات المحلية المضيفة. كما أنهم يتمتعون بتأثير إيجابي في الصحة العقلية لأعضاء الأسرة الآخرين، ويمكنهم تقديم المساعدة في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية". ويتمتع كبار السن كذلك بوضع أفضل للفصل في النزاعات في مجتمعات اللاجئين في حين يقومون غالبا برعاية الأطفال لأكثر من أسرة. كما أن نصف السكان الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 60 عاما في بلدان العالم النامية يواصلون العمل أيضا، في كثير من الأحيان حتى وقت متأخر من العقد السابع من أعمارهم. باختصار، فإنهم لا يزالون جزءا حيويا من أي مجتمع رغم أن جوانب الضعف لديهم واضحة، والأصول التي يقدمونها يمكن أن تكون حاسمة في تعزيز رفاهية ومعيشة مجتمعات اللاجئين.
وتقديرا لهذا الدور، فإن مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين تدعو موظفي المنظمات الإنسانية وغيرها إلى فهم القدرات والإسهامات المختلفة لكبار السن في العائلات والمجتمعات المحلية النازحة، وضمان عدم تقويض الإجراءات التدخلية الخارجية لهذه الأدوار سواء كانت في رعاية الأطفال أو الوساطة في حل المشكلات أو تقديم المشورة. كما تدعو المفوضية أيضا إلى إعطاء كبار السن صوتا أكبر للتعبير عن آرائهم ودورا فاعلا في المجتمع نظرا لما يتمتعون به عادة من نهج وأساليب تعتمد أكثر على الحكمة والمنطق. كما تحث على منح اللاجئين من كبار السن الذين يهتمون برعاية الأطفال دورا في برامج حماية الطفل. وفي الواقع، وبدلا من تأجيل ذلك إلى فترة لاحقة، فقد حان الوقت للتركيز بشكل أكثر مباشرة على هذه المجموعة السكانية التي يمكن أن تقوي بدرجة هائلة مرونة هذه المجتمعات المحطمة وقدرتها على الصمود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي