بريطانيا المضطربة بحلة جديدة

مع انسحاب جميع المرشحين لزعامة حزب المحافظين البريطاني وبالتالي رئاسة الحكومة لمصلحة تيريزا ماي، لم يجد ديفيد كاميرون سببا لبقائه في رئاسة الوزراء حتى موعد المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. سلم السلطة لماي التي (كغيرها) لم تكن تفكر للحظة أنها ستصبح رئيسة لوزراء بريطانيا، تماما كما لم يفكر كاميرون بترك السلطة قبل عام 2020. وتيريزا ماي من معسكر بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو واضحا أن الذين وقفوا إلى جانبها في حملتها على زعامة الحزب، أرادوا أن تكون مرحلة الخروج أكثر هدوءا ومسؤولية، فيما لو تولت شخصية من معسكر الخروج هذا المنصب. المفارقة، أن نوابا كثرا أيدوا الخروج منحوا أصواتهم لتريزا ماي!
لم تعد التفاصيل مهمة بهذا الخصوص. وصلت ماي إلى السلطة وخرج كاميرون منها طواعية وبأعلى مستويات الشفافية. وماي ليست متعجلة لتفعيل مفاوضات خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، ولذلك فإنها التزمت بخطوات هادئة نحو المفاوضات دون المس بالإجراءات القانونية بالطبع. ومما لا شك فيه، أن وجود ماي على رأس السلطة التنفيذية في بريطانيا سيخفف الاحتقان السياسي الأوروبي على بريطانيا ككل. فالاتحاد الأوروبي لا يزال ينظر إلى نتيجة الاستفتاء البريطاني التاريخي بالانسحاب منه على أنها صادمة له ليس لأنه لا يستطيع الاستمرار دون بريطانيا، بل لأن مثل هذا الموقف جاء من المملكة المتحدة على وجه الخصوص. وفي كل الأحوال الصدمة من هذا الاستفتاء لم تترك أحدا بما في ذلك أولئك الذي تحركوا وشجعوا ودعموا الخروج.
لن تكون هناك سياسات جديدة محلية في ظل وجود ماي في السلطة. والسبب بسيط يعود إلى التزامها بالميزانية العامة كما وضعت قبل الاستفتاء البريطاني المشار إليه، مع وجود بنك إنجلترا جاهزا للتدخل عندما يستدعي الأمر تحركا ما. لكن النقطة الأهم، هي نجاحها في مفاوضات الخروج. هل يمكنها أن تأخذ بعض الاستثناءات لبلادها من المفوضية الأوروبية؟ هل تستطيع أن تخفف من الانعكاسات الجنونية لنتائج الاستفتاء على العلاقة المستقبلية مع أوروبا ككل؟ هل يمكنها أن تضمن اتفاقات تجارية واقتصادية جيدة مع جهات خارج الاتحاد الأوروبي؟ كيف سيكون شكل الحراك بين الطرفين البريطاني والأوروبي في المرحلة المقبلة؟ أسئلة كثيرة، وملفات رئيسة ومتفرعة أمام ماي في الأشهر القليلة المقبلة.
لقد رفضت ماي قبل أن تتسلم منصبها كل الحراك الذي يدعو إلى إعادة إجراء الاستفتاء حول الوجود البريطاني في الاتحاد الأوروبي. وهي في الواقع التزمت بالسياسات نفسها التي أعلنها ديفيد كاميرون بهذا الخصوص. ورغم أن لدى المنادين باستفتاء جديد حجة قانونية، إلا أن ماي لا تريد أن تكون من المسؤولين الذين يضربون عرض الحائط باستفتاء شعبي تاريخي، بصرف النظر عن مدى التقارب بين المعسكرين المتضادين. ومما لا شك فيه، أن ماي توفر الأمان السياسي ليس فقط للذين صوتوا للبقاء بل أولئك الذين صوتوا للخروج. هناك الكثير من الخطوات أمام رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، بما في ذلك بالطبع الدعوة لانتخابات عامة. وهذه النقطة حسمتها ماي قبل عدة أيام بالقول، إنها لن تدعو إلى انتخابات عامة وستظل في السلطة حتى نهاية ولاية حكومتها في عام 2020. غير أن الأمور لا تسير في بريطانيا هكذا. لا توجد ضمانات في السياسة، وقد تضطر للدعوة لانتخابات عامة العام المقبل أو العام الذي يليه، علما أن الأجواء السياسية بشكل عام تصب في مصلحة حزب المحافظين، مع وجود حزب معارض مفكك وهش ومضطرب بقيادة جيرمي كوربين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي