انتقاص الآخر
يعيش مجتمعنا حالة من التكتلات الغريبة التي يحاول المنتمون إلى كل منها تهميش غيرهم، ليس لأنهم أفضل أو لأنهم بذلوا جهدا أكبر أو عاشوا حياة أصعب، وإنما لأنهم مختلفون، هذه الحالة الرافضة للمختلف تسببت في كثير من المصائب على عالمنا، لعل أكثر شواهد محاربة المختلف هو ما نشاهده في الواقع من حروب أكلت الأخضر واليابس.
تجاوز كثير من المجتمعات هذه الإشكالات منذ قرون من خلال القناعة بدروس الماضي والإفادة منها بما يضمن عدم تكرار الأخطاء، لكن يظل هناك من يؤجج الخلاف بين المختلفين فكريا أو دينيا أو حتى بيولوجيا وهو الأمر الذي لا علاقة للناس به، فلا أحد يختار أسرته ولا والديه ولا المدينة التي يرى النور فيها أو الدين الذي يعتنقه والداه أو ينتشر في مجتمعه.
نتجت الحروب الكبرى بين دول العالم بسبب رفض الآخر، ومحاولة تهميشه، بل السيطرة عليه والاستيلاء على أرضه ومكتسباته ومقدراته، هذا يجعل دور المثقف والداعية والمعلم من الأهمية بمكان، ويستلزم أن تكون حتى المناهج الدراسية مستوعبة للاختلاف ومرحبة بالتنوع الثقافي والحيوي والاجتماعي.
من هنا تأتي مطالبة كل المربين والقدوات في المجتمع بأن ينحو نحو تشجيع تفهم الآخر، وإلغاء أدبيات المبالغة في تقديس الانتماء التي تعج بها القنوات والمجالس ووسائل التواصل. إن العودة الخطيرة لتقديس القبيلة ومحاولة إلغاء كل ما يخالفها أو يختلف معها أو عنها، تدفعني للخوف من مآل تلك الأدبيات التي أنتجت الكثير من الرؤوس التي تطالب بأكثر من حقها.
ظهر هؤلاء وهم لم يعرفوا التاريخ الحقيقي للقبائل أو ما سببته النعرات من قتل وسلب ونهب وانعدام للأمن، وضعف وخور وانهيار للمنظومات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لدى كل من تغنوا بهذا الفكر، يكفي أن نعرف أن الغرب الذي عاش في ظلام قرونا طويلة استعمر أغلب الدول العربية التي يتغنى أهلها بماضيهم التليد.
ذلك الماضي الذي لم يسد فيه مفهوم القبيلة أو الفردية وإنما كان الانتماء لفكر أكبر ورؤية أشمل تستطيع أن تستوعب الجميع وتقبلهم كأعضاء منتجين في المجتمع الذي يفيد من كل مكوناته. عمر بن الخطاب الذي أمن مخالفيه على دينهم وحمى مقدساتهم، هو من بدأ مفهوم التقبل الأهم للآخر ومحاولة احترام من يكون، فضمن ولاء الجميع.