رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أحزان الرافعي .. أدبا وواقعا

استمرارا للمقالات التي أود أن تكون مريحة لكم بعيدا عن صخب الأحداث، ولعلها تفيد؛ أجيب عن استفسار علياء البلوشي من عمان وهو: "كنت أتابع زاويتك "اللطيفة" (اسألوني) في جريدة اليوم، ولأني في الأدب المقارن أتذكر أنك سميت أديبا عصريا بجاحظ العصر. لم أعثر على تلك المعلومة، وأود لو تلقي الضوء عليها لأني قدمت بحوثا ورسالة عن الجاحظ.

الإجابة:
الذي سميته جاحظ العصر دكتورة علياء هو الأديب العربي المصري الشامخ مصطفى صادق الرافعي. إن الباحث المتمعن يجد وجه شبه واضحا وجليا بين الجاحظ وصادق الرافعي.

التشابه:
يشترك الأديبان العربيان الكبيران بتوافق في الأسلوب وبلاغة وتمكن مكين من ناصية اللغة العربية العالية التعبير. كما أن هناك شبها عجيبا في المزاج - وهذا على فكرة يهتم به قسم من علم الأنثروبولجيا- فكلاهما يتفننان بل يجدان نفسيهما في المرح والسخرية وبذكاء لامع. والأديبان من مرجعيات العلوم العربية، وكلاهما غيوران على العربية وعلى دين الإسلام- ولا أود أن أتعرض إلى ميل الجاحظ للمعتزلة وإن أردت أرسلت لك فيما بعد- ويجب أن أنبه إلى أن الشبه بين الرافعي والجاحظ ليس محاكاة أو تقليدا، وإلا ما أصبح الرافعي مدرسة مستقلة في الكتابة العربية، كما أنبه إلى أن تدين الرافعي وآراءه لا تقترب للمعتزلة، كما أن المقام لا يسعفني لشرح الفهم الإسلامي الفلسفي عند الرافعي.
وربما سألتني دكتورة علياء: ما سر الشبه بين الأديبين إذن؟ فسأقول لك إن كلا الأديبين لم يتأثرا بغيرهما اقتداء مباشرا، وإنما كانت مدرستهما اللغوية القرآن الكريم، وهذا العشق لأمرين تجميل الكلمة وتطهيرها من التعمق والفذلكة، والاسترسال الذي صفته الغريبة أنه ماتع ولا يقطع النفس.

بلاغة الرافعي:
أتاح ذكاء ثاقب وهبه الله للرافعي ونباهة فكرية، تذوق بلاغة القرآن الكريم الإعجازية، وأن يحيط بروعة بيانه الذي لا يضاهيه بيان. ويشهد على تفوقه البلاغي في التقاط الكلمات كما تلتقط الجواهر، ويبني الجملة من هذه الكلمات مموسقة، مؤثرة.. مؤثرة جدا، خصوصا في سدرته العاطفية، وهو "حبيب الله" عظيم العاطفة لدرجة تذهله وتؤذيه، أقول تشهد على كل ذلك كتبه مثل "أوراق الورد" و"رسائل الأحزان" و"السحاب الأحمر".. والعناوين تدلك على مزاجه العاطفي.

مشهد حزين.. جدا:
ليت المقام يتسع لأحدثك عن الرافعي العاشق، وربما رجعت لكتاب في ذلك لصديقه محمد العربان "حياة الرافعي".
بعد الرافعي عن المجتمع لانهيار عصبي وظل كذلك حتى مات.
وفي جنازة واحد من شوامخ الأدب العربي لم يمش في جنازته سوى نفر قليل من الجيران وصبية الطريق.
يا للحزن.. موته، رحمه الله، يشبه مزاجه وأسلوبه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي