نهضة إفريقيا اقتصاديا
دفعت قوة أداء كثير من الاقتصادات الإفريقية طوال العقدين الماضيين بعض المعلقين إلى ابتكار عبارة "نهضة إفريقيا" لوصف القوة الاقتصادية المتزايدة للمنطقة.
وتَزين بهذه العبارة غلاف مجلة "تايم" في ديسمبر 2012، في عدد كان يعرض سردا تفصيليا لرحلة المنطقة على مدى عقود من الضعف الاقتصادي إلى القوة المؤثرة. فبدءا من منتصف تسعينيات القرن العشرين عمل كثير من البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء — ولكن بالتأكيد ليس كلها — على تنشيط اقتصاداته، فحقق في السنوات الأخيرة معدلات من أعلى مستويات النمو في العالم. وارتفعت مستويات المعيشة نتيجة لذلك، وكذلك الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الرئيسة، ما بعث الأمل في مستقبل ساطع.
لكن العام الماضي كان قاسيا، فعانت المنطقة التباطؤ الحاد الناتج عن هبوط أسعار السلع الأولية وتراجع الأوضاع الاقتصادية العالمية. وأصاب الجفاف بعض بلدانها. والصين — وهي الآن شريك رئيس في التجارة والأعمال لعدد من البلدان الإفريقية — تتباطأ بينما تعيد تنظيم اقتصادها، ما يثير المخاوف من حدوث مزيد من الضعف، وتعم أرجاء المنطقة موجة من التشاؤم، تدفع البعض إلى التساؤل عما إذا كانت قصة "نهضة إفريقيا" قد بلغت نهايتها.
ويتناول هذا العدد من مجلة "التمويل والتنمية" هذه المرحلة الحرجة في إفريقيا ويضم مقالات تشير إلى أن كثيرا من هذه البلدان في وضع يؤهلها للخروج بسلام من العاصفة، رغم أنها تواجه أحلك الظروف على مدار عقد من الزمن. ويعرب كتابنا عن أملهم في معاودة النمو بقوة، وإن كان مع التوقف مرة أو مرتين على طول الطريق.
وفي استعراض عام، يوثق ستيفن راديليت من جامعة جورج تاون التغيرات التي تجعل إفريقيا في وضع أفضل يؤهلها للتعامل مع هذا الركود. فالتحسن الملحوظ في الحوكمة، وظهور قادة ومديرين اقتصاديين أكثر مهارة، وتحسن السياسات الاقتصادية والاجتماعية، تمثل جميعا أساسا صلبا للنمو مستقبلا. ويذكر أنه رغم احتمال التباطؤ في السنوات القليلة المقبلة، فإن آفاق النمو طويلة المدى راسخة في البلدان التي تنوع أنشطتها الاقتصادية، وتزيد قدراتها التنافسية، وتواصل تعزيز مؤسسات الحوكمة.
ويتردد صدى هذا الكلام في مقال السيدة أنطوانيت ساييه، مدير الإدارة الإفريقية في صندوق النقد الدولي، في باب "كلام صريح"، حيث تذهب إلى أن الدوافع الأساسية للنمو على مدار العقد الماضي لا تزال قائمة، وأن إعادة تشكيل السياسات النقدية وسياسات المالية العامة يمكن أن يسهم في استعادة النمو القابل للاستمرار في المنطقة.
وتنظر مقالات أخرى ضمن التقرير الخاص عن إفريقيا في مصادر النمو المستقبلي: التكنولوجيا الرقمية التي تزيد إمكانات الحصول على تمويل، والاتفاقات الاقتصادية الإقليمية التي تدعم توثيق الروابط بين الأعمال، وزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، والتركيز على تحسين البنية التحتية والرعاية الصحية. وتلقي كذلك نظرة على قطاع يضرب مثلا على التأثير المتنامي والطاقة الاقتصادية لإفريقيا: إنها صناعة الأفلام في نيجيريا، أو "نوليوود" وهي واحدة من أكبر صناعات الأفلام في العالم من حيث عدد الأفلام التي تنتجها.
وفي مواضع أخرى من هذا العدد، يسرنا أن نقدم مقالا عن النمو في الولايات المتحدة بقلم روبرت جوردون، الذي صدر كتابه الأخير بعنوان "صعود وهبوط النمو الاقتصادي الأمريكي"، فأثار الكثير من الفكر حول احتمالات مضي فترة طويلة من النمو الضعيف في الولايات المتحدة. وأخيرا، يقدم براكاش لونجاني لمحة عن الاقتصادي الثائر داني رودريك.