الصين .. مسار جديد للابتكار على مستوى العالم

الصين .. مسار جديد للابتكار على مستوى العالم

حجم وطبيعة السوق المحلية الصينية والوتيرة السريعة للتوسع عالميا دفعت الشركات الصينية إلى مسار مختلف للغاية في الابتكار المعولم.
برز عديد من الشركات المتعددة الجنسيات الصينية الطموحة، كلاعبين مؤثرين على مستوى العالم في عديد من القطاعات خلال أقل من عقدين من الزمن. دون أن تعترضها بصمة الابتكار الموروثة، وثقافات المشاركة وضغوط التقاليد المؤسسية عندما يتعلق الأمر بالابتكار. تعد هذه الشركات في موقع قوي لبناء الهياكل الصحيحة والعمليات والثقافة لتجاوز عديد من منافسيهم
مدفوعة بمجموعة من العوامل الفريدة – وجود سوق محلية كبيرة، ونقص الموارد المحلية وسرعة التوسع عالميا – فالنهج الذي تتخذه الشركات الصينية لعولمة أنشطة الابتكار، يختلف بشكل كبير عن المسار المحسوب جيدا الذي تتبعه الشركات المتعددة الجنسيات في أسواق البلدان المتقدمة واقتصادات النمور الآسيوية الأربع.
يبدأ المسار التقليدي لعولمة الابتكار من الداخل حيث يحفزه المنظور الوطني ، وتبتكر الشركات لتلبية احتياجات العملاء المحليين ومن ثم احتياجات التصدير أو ترخيص منتجاتها وخدماتها وعملياتها الجديدة للأسواق الخارجية. ومع نمو الشركة وتنوع نشاطها تنمي الوعي بها في مناطق جغرافية جديدة. فتدفق المعارف في هذه المرحلة أحادي الاتجاه "من السوق المحلية إلى الخارج"، ولكن مع ظهور احتياجات جديدة للعملاء وتطوير المهارات المتميزة في الأسواق الفردية، تصبح الشركات المحلية التابعة ذات الخبرة في مجالات معينة، وتبدأ المعلومات في التدفق مرة أخرى لمركز الشركة والشركات التابعة لها.
يساعد اعتماد هذه الشبكات المتعددة المراكز على نشر وتنويع المعرفة الأساسية الضرورية للابتكار، وبالتالي، تعطى الأهمية لتوحيد المعرفة على حساب صنع المعرفة.
وعلى عكس هذه العملية المدروسة، لا يوجد الفهم الكافي لعملية عولمة الابتكار للشركات الصينية الحديثة نسبيا. وقد واجه الباحثون في هذا المجال تحديات تمثلت في غياب الشفافية وعدم وجود بيانات موثوقة على الصعيدين الحكومي والمؤسساتي وندرة الشركات المستهدفة المستعدة لتفتح أبوابها للتدقيق. وعلى الرغم من وجود هذه العوائق تمكنّا من دراسة أجريناها عن المزايا والتحديات التي تواجه الشركات الصينية المتعددة الجنسيات في مجال الابتكار العالمي، من توثيق عولمة الابتكار لبعض الشركات الصينية الرائدة (بي جي آي، هاير، هواوي، ساني، لينوفو ، زد بي آر)، ووجدنا أن نهجها كان مدفوعا بمجموعة من العوامل بما فيها حجم وطبيعة السوق المحلية، ونقص الموارد المحلية ومعدل تدويل البلاد.
يعتبر حجم وطبيعة الاقتصاد المحلي الفارق الأكثر وضوحا. حيث أدت المنافسة المحلية الشديدة والعدد الكبير لعملاء السوق المتوسطة والنمو الاقتصادي السريع إلى المسارعة لتبني نهج ابتكاري يضع العميل على رأس أولوياته. وأصبحت الشركات الصينية بارعة في الاستماع لاحتياجات العملاء وتطوير منتجات جديدة وخدمات وعمليات في سبيل تلبيتها.
العامل الثاني: مساوئ البيئة التنافسية، التي تشمل ندرة التكنولوجيا والتسويق والموارد الإدارية المحلية. فمن المعروف أن الصين تعاني عدم وجود علماء ومهندسين من طراز عالمي، إضافة إلى ضعف إنتاجية قسم البحوث والتطوير. الأمر الذي سيجعل البلاد تعاني نقصا حادا في موظفي البحوث والتطوير بحلول عام 2020.
العامل الثالث يتجلى في سرعة توجه الصين إلى تبنى العولمة. حيث قامت الحكومة الصينية منذ عام 2000 بتشجيع الشركات على التوسع في الخارج وامتلاك أصول دولية من شأنها أن تساعدهم على إضافة قيمة إلى أعمالهم. فضلا عن استخدام التوسع في الخارج كوسيلة للنمو، حيث تعمد الشركات الصينية الطموحة إلى توسيع أنشطة الابتكار في الدول المتقدمة للحصول على الموارد والقدرات الاستراتيجية والمبتكرة التي تعود عليها بالفائدة محليا.
تميل الشركات الصينية إلى ترك الإدارة المحلية عند استحواذها على فروع في الخارج، الأمر الذي يجنبها المخاطر التي قد تنتج عن عدم ضلوع الإدارة في الصين بأمورها وهو ما قد يؤثر سلبا في الاستحواذ.
في حال تأسيس أو شراء مركز بحوث وتطوير في الخارج تضع الشركات الصينية تركيزا كبيرا على التعلم من العملاء المحليين واستخدام المعرفة لتحسين المنتجات والخدمات محليا. في الواقع يبقى التعلم أمرا حيويا بسبب نقص الكفاءات داخل الشركات الصينية، ما يساعد على النجاح في مجال الابتكار بالاعتماد على المعرفة المكتسبة من مصادر عدة.
على الرغم من ذلك، تمتلك الشركات الصينية عديدا من المزايا في حال خططت لعولمة أنشطتها الابتكارية. فهي غير مقيدة بالاعتماد على مسار تكنولوجي موروث أو متخم بالبصمات الابتكارية.
كما تمتلك هذه الشركات رأسمالا غنيا بمعزل عن هيمنة الحكومات، الذي يشكل عائقا رئيسا أمام الابتكار العالمي المتكامل. كما بإمكان الشركات الصينية المنتشرة في العالم أن تلعب دورا مهما في نشر الابتكار كونها صلة الوصل بين الصين والثقافات الأخرى.
إذا ما ترجمت هذه المزايا إلى مرونة وسرعة في التحرك فإنها تقود بدورها إلى ميزة تنافسية مستدامة ستعتمد الشركات الصينية على قدرتها في التغلب على التحديات الكامنة في تنظيم وإدارة شبكة الابتكار العالمية المتكاملة.

* أستاذان في كلية إنسياد

الأكثر قراءة