ظاهرة «الليلة الأولى»
عقلك هو جزء منك لكنه أحيانا يقوم بتسييرك دون أن توجهه ودون أن تعرف سببا لما تقوم به، تصرفاتك اللاإرادية يحكمها هو، ألم تتساءل عشرات المرات عن سبب عدم استطاعتك النوم عندما تغادر منزلك إلى مكان آخر سواء فندق أو بيت والديك أو أحد أقاربك وأحيانا يجافيك النوم لو حاولت أن تنام في غرفة أخرى من منزلك ذاته!
يتذرع الكثيرون بأن ذلك بسبب حساسيتهم وتعودهم على مكان بعينه، فهل هذا السبب منطقي! أم أن هناك أسبابا أخرى، خصوصا أننا نتشارك في ذلك مع بعض الحيوانات البرية والبحرية والطيور التي يصيبها الأرق عند تغيير أعشاشها وعندما تحلق في نهاية السرب يكون نومها متقطعا خلافا للتي تنام وسط السرب!
تعرف هذه الظاهرة بـ "تأثير الليلة الأولى"، تعزو الدراسات الحديثة سبب هذه الظاهرة إلى الإرث المتصل من الإنسان القديم الذي كان ينام بعين واحدة وتبقى الأخرى ساهرة خوفا من الوحوش والأخطار المحيطة به وسط البراري والغابات!
أكد ذلك البروفيسور الياباني "يوكا ساسكي" المشرف على الدراسة والمختص في العلوم اللغوية والنفسية في جامعة براون الأمريكية، مشيرا إلى أن ظاهرة "الليلة الأولى" من الأرق المرتبط بالمكان هي ميزة مشتركة بين البشر والحيوان في مسعاهم إلى حبّ البقاء.
ولذلك تجد الدلافين والحيتان تتسلح بظاهرة "الليلة الأولى" بغية الحفاظ على استمرارية نسلها، إذ إن غريزة البقاء لديها تُبقي نصف الدماغ متيقظا عند النوم كتكتيك لمراقبة المحيط الموحش والشعور السريع بأي خطر داهم.
ولربما دماغ الإنسان يتصرف على هذا المنوال تحسبا لأي مكروه قد يغدر به وهو ينام بعمق في مكان يدخله للمرّة الأولى. وأول مرة وصف فيها الأرق الناجم عن تمضية الليلة الأولى في مكان غريب كان في الستينيات، لتأتي دراسة أمريكية حديثة لتؤكد ذلك بعد أن عملت مسحا لدماغ 35 شخصا أثناء نومهم للمرة الأولى في مكان غير معتاد، باستخدام تقنية تصوير الأعصاب المتقدمة والرنين المغناطيسي ووجدت أن السبب وراء ضعف القدرة على النوم في الأماكن الجديدة، ناجم عن قلق الدماغ من المكان الجديد والمجهول حين يبقى الشطر الأيسر من الدماغ متيقظا عصبيا بينما الشطر الأيمن يغط في نوم عميق.
وعندما أعادوا المسح على المجموعة نفسها بعد عدة ليال في المكان نفسه، تبيّن أنّ المشاركين شعروا بالأصوات الخارجية في تجربة الليلة الأولى بصورة أكبر مقارنة بالليلتين الثانية والثالثة، ولذلك كانوا أكثر يقظة وتقلبا في الليلة الأولى التي قضوها في مكان غير مألوف!