تقلبات أسعار النفط .. ودور السياسات الاحترازية
يؤدي الاعتماد على النفط إلى تعريض البلدان العربية بشكل خاص لتذبذبات أوضاع الاقتصاد الكلي على مستوى العالم، حيث تتأثر كل قطاعات الاقتصاد تأثرا مباشرا بما يطرأ من تقلب في قطاع الهيدروكربونات. وتسهم السياسات الاحترازية الكلية بدور أساسي في الحد من المخاطر النظامية. وقد بدأت بنوك مركزية في بلدان عربية، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، استخدام الأدوات الاحترازية الكلية منذ سنوات عديدة لتخفيف احتمالات الانكشاف لمخاطر العقارات والائتمان وتركز القروض. غير أن هذه التدابير غالبا ما كانت تأتي متأخرة خلال طفرات الائتمان ولا تنفذ بصورة منتظمة. وتشير أبحاثنا إلى وجود فرصة لتحسين إطار السياسات من أجل ترشيد استخدام السياسات الاحترازية الكلية في تدعيم الاستقرار المالي وجني الثمار الممكنة منها.
ويلاحظ أن البلدان التي تعتمد بشدة على قطاع الصناعات الاستخراجية للحصول على إيرادات لماليتها العامة وعائدات من التصدير هي الأكثر تعرضا للصدمات. وإضافة إلى ذلك، يعمل القطاع المالي كعامل تضخيم للصدمات، حيث يغلب على المصارف الانكشاف الكبير لمخاطر الدولار الأمريكي وقطاع الطاقة، ويتميز نمو الائتمان بتراكم حالات الانكشاف الكبير في القطاعات المرتبطة بالنفط والقطاع العقاري. وتخضع استقلالية السياسة النقدية للقيود التي تفرضها ترتيبات سعر الصرف الثابت، بينما تتميز العمليات النقدية بغياب التنبؤ بالسيولة، وضحالة أسواق النقد والأسواق المالية.
ورغم أن نظم الصرف أكثر مرونة في بعض البلدان العربية المستوردة للنفط، ما يجعل سياستها النقدية أكثر استقلالية، نجد أن هذه البلدان معرضة بشدة للصدمات الاقتصادية العالمية. وتنتقل هذه الصدمات إما من خلال إجمالي الناتج المحلي أو أسعار النفط التي تؤثر بشدة على أرصدة ماليتها العامة وحساباتها الخارجية في ظل هوامش وقائية محدودة توفرها السياسات وأطر سياسات ضعيفة في بعض الأحيان. وإضافة إلى ذلك، قد يكون لضغوط السيولة المصرفية تأثير حاد على توفير الائتمان، بينما قد يسهم التركيز المفرط على قروض خطرة كالقروض العقارية في تراكم المخاطر النظامية.
وللسياسات الاحترازية الكلية دور مهم في الحد من المخاطر النظامية التي يتعرض لها النظام المالي، نظرا لمواطن الضعف التي تواجه المنطقة بسبب دورات أسعار الائتمان والأصول ومخاطر سياسات المالية العامة المسايرة للاتجاهات الدورية، ودرجة الاستقلالية المحدودة المتاحة للسياسة النقدية في ظل نظم أسعار الصرف الثابتة، وعدم وجود هوامش وقائية في المالية العامة والحسابات الخارجية ولا سيما في البلدان المستوردة للنفط. غير أن السياسة الاحترازية الكلية لا يمكن أن تكون بديلا للإصلاحات الهيكلية اللازمة للحد من مواطن الضعف والاختلالات متوسطة وطويلة الأجل ــــ بما فيها إصلاحات القطاع المالي.
وقد بدأت البنوك المركزية والأجهزة النقدية في البلدان العربية استخدام عدة أدوات احترازية كلية منذ وقت طويل حتى تتمكن من تخفيف المخاطر على نحو فعال. وهناك أدوات كانت بالفعل جزءا من الأدوات التنظيمية قبل الأزمة المالية العالمية، وقد ساعدت على تجاوز الأزمة بشكل جيد نسبيا. ومن التدابير التي تم تنفيذها وضع شروط لرأس المال والسيولة ومخصصات الخسائر في المصارف وحدود قصوى للقروض الشخصية ونسب القروض إلى الودائع وحدود المعاملات بالعملة الأجنبية والانكشاف لمخاطر العقارات.
ومع كل ما سبق، هناك فرصة أمام البلدان العربية لتعميق فهمها للتداعيات وتحديدها وتخفيف أثرها على القطاع المالي، وبناء الهوامش الوقائية الملائمة عن طريق تصميم إطار السياسات الاحترازية الكلية بصورة أفضل. وفيما يلي أهم التوصيات بشأن السياسة:
ـــ تقوية الإطار المؤسسي: من جوانب القصور الرئيسة في كثير من بلدان المنطقة غياب الأطر القانونية والمؤسسية المقننة للاستقرار المالي، ما يحد من فعالية السياسة.
ــــ التوسع في الأدوات المستخدمة وتنقيح الأدوات القائمة حسب مقتضى الحال. وعلى وجه الخصوص، ينبغي أن تركز البلدان على تنفيذ القواعد التنظيمية لاتفاقية بازل 3، واعتماد احتياطيات رأسمالية وأدوات مضادة للاتجاهات الدورية ومصممة حسب احتياجات كل قطاع للتعامل مع المؤسسات المحلية المؤثرة على النظام.
ـــ تعزيز فعالية الأدوات الاحترازية الكلية بإرساء نظام فعال للإنذار المبكر وإجراء تقييمات منتظمة للمخاطر النظامية. ويعتبر تحسين توافر البيانات مطلبا أساسيا أيضا لسد ثغرات المعلومات لدى السلطات حتى تتعين مراقبة المخاطر النظامية.
ـــ ضمان فعالية تنسيق السياسات وتبادل الخبرات القطاعية بين مختلف البلدان.