هل أعود؟
تكملة لحديثي الأمس عن الحالة الازدواجية الفريدة التي يعيشها أغلب من قرروا أن الغرب هو المكان الأمثل لتحقيق طموحاتهم. لا بد أن أعرج على نقطة مهمة، وهي القرار الذي يتخذه أي منا وهو يضع أسرته في بيئة لا تماثل أو حتى تقترب من بيئته الأم التي عاش فيها وخرج منها للتحصيل أو تحقيق الطموح العلمي.
أقول إنني شاهدت كثيرين ممن لهم قيم وأساليب حياة تخالف الحضارة الغربية, وهم يعيشون داخلها, فحافظوا على قيم مجتمعاتهم الأصل. ولمن يريد الأمثلة أن يشاهد المهاجرين إلى بريطانيا من الهند والباكستان واليمن, ومن يعيشون في الغرب في أحياء تمثل بيئتهم الأصلية كالصينيين وأهل الشرق بشكل عام.
هؤلاء تمكنوا من الحصول على المزايا الوظيفية والاقتصادية التي يوفرها سوق العمل والإدارة في الغرب, مع حفظ كم كبير من قيمهم وأساليب حياتهم التي ترسخت في ذاكرتهم وتكوينهم الفكري والعاطفي. هناك من عانوا من تفلت بعض أبنائهم وبناتهم وترك الأصول التي جاء منها الآباء والأجداد, لكن الغالبية تعود إلى الحي الصيني أو الهندي أو اليمني.
هذه الإشكالية يعانيها أغلب العرب الذين يتوجهون للعمل في الغرب, فهم يعيشون في أحياء مختلطة مع جنسيات أخرى لا تشاركهم التكوين الاجتماعي والنفسي والديني نفسه, فتنشأ كثير من الصراعات الداخلية التي يعانيها أغلب من جاؤوا بحثا عن مصدر عيش يوفر الحد الأدنى من الأجور كما يحدث في باريس وضواحيها.
أما الخليجيون فهم من القلة والندرة والغضب على بيئاتهم لدرجة أنهم يحاولون أن يذوبوا في القدر الكبير الذي تغلب على مكوناته المفاهيم والقيم الليبرالية البحتة, وهذه حالة تنجح في مراحل معينة عندما يكون القادم "مستفيدا" منها.
أما عندما يوضع الواحد منهم تحت الاختبار في مواقف كثيرة, فهو يكتشف أن التغيير الاجتماعي لا يتم بضغطة زر أو حضور مجموعة من المؤتمرات والندوات أو "التصبيح" على الجيران الذين يبدون مبتسمين ومهذبين طول الوقت. التغيير المجتمعي عملية طويلة لها من المتطلبات كثير, وقد لا تكون هي المراد الحقيقي والمنطقي لمن يعيش في الغرب.
نجح الآسيويون لأنهم تمكنوا من المزج بين الفوائد الاقتصادية والمحافظة على لب وأساس قيمهم المجتمعية, وهو أمر لا ينطبق على كثير منا ممن حاولوا العيش في الخارج.