لا تقل لي الفصل.. ولا برامج التعليم.. قل لي: المعلم «3 من 3»

قبل أن نبدأ:
اتصال هاتفي من المعلمة هيفاء ع.:
"تخرجت في الرياضيات، ودرست الرياضيات في المرحلة الثانوية ابتداء، وكانت أحلى فتراتي في التدريس، ثم نقلت للمرحلة المتوسطة لنقص في الكادر، ثم الابتدائي، وهذا أحبطني نوعا ما ولكن "ماشي الحال". ثم طلبوا مني أن أعطي دروسا في التاريخ وهو خارج تخصصي، ومادة لا أميل لها في الأصل، وبعذر نقص الكادر أيضا. فوجدت أنك قد تكون، واقبل عذري، شطحت في الحلم بأن التدريس سيتعافى عندنا".
لم يكن لمكالمة مها أن توضع هنا، فهي وصلتني قبل أن أكتب هذا المقال الجزء الثالث والأخير، وكنت سأواصل فيه "شطوحي بالأحلام" كما قالت المعلمة مها. على أني ماضٍ برأيي، وموقن أن الإصلاح ممكن، بل وبسهولة. وعلى العكس، فإن رأي المعلمة مها أكد لي رأيي بأننا وبتعمد نلجأ للممارسة الخاطئة، بل الفاضحة الخطأ، مع أننا نعلم أنها خطأ. فلو كنا نعتقد أن هذا صحيح، فعلينا السلام لما يكون الجهل في منطقة العلم والتعليم. وبما أننا نعلم أنه خطأ ونمارسه فهنا أسهل الحلول، مع أنها عندنا لاعتبارات شخصية وأحيانا إجرائية تبدو في غاية الصعوبة، فنصعب السهل. فليس هناك صعوبة أن تنقي القمح من الزؤان، ولا أن تنزع الشوك من ساق زهرة، ولا بانتزاع العقول التي نامت على روتين جعلها مفصولة عن الواقع التعليمي والتطويري بالذات، وإحلال عقول أكثر نشاطا وعلما وقابلية للتغير والتغيير والتطوير والتدريب. بقاء العقليات التي جمدت تروسها من زمان، ولم تعد تفهم لماذا هي أصلا في هذه المناصب هي أكبر خسارة مادية ولا أقول معنوية تعانيها أي بلاد في الدنيا. وهي خسارة من الصعب تخيل هول حجمها.
إن سبب إخفاق التعليم في دول تأخرت فيه، هو الاستهانة بوظيفة المعلم أساسا، ففي بحث قرأته في دورية تعليمية وجدوا أن كثيرا من الدول المتأخرة في التعليم لا تؤهل المعلم ولا تعنى بتأهيله، بله قياس أدائه، وتنمية قدراته بعملية حيوية متواصلة. وأن دولا كفنلندا وسنغافورة والسويد ومع الأسف العميق "الكيان الصهيوني" من أبرز اهتماماتها في التعليم هي صناعة مدربي المعلمين. فمع اهتمامها باختيار المعلمين، ووصولهم من كليات أو معاهد راقية الضبط في تأهيل المعلم مع زيادة جرعات تخصصه، إلا أن عنايتها الأهم تقع على المدربين والمطورين للمعلمين أنفسهم، وهنا السر الساطع، وعنصر التقدم بصنعة التعليم برمتها، ناس متخصصون في تدريب المعلمين، ولابد أن يكون هؤلاء المتخصصون بقيمة عالية، وجدية عملية، ولياقة عقلية متفوقة، ويشرفون على إعداد معلمين محترفين، ثم يديرونهم بقياسات مستمرة وجرعات تطويرية منتظمة ودورية وتكون من أهم ما يلتزم به المعلمون.
يحدثني الدكتور عبد الرحمن العبيد نائب الرئيس الأعلى للموارد البشرية في شركة الكهرباء، أن لديهم آلية منتظمة علمية وميدانية لقياس أداء الموظفين في مواقعهم المختلفة، وهي عملية مستمرة تقرر الترقية بالمسار المهني من عدمها، ثم أردف: "وأنا معرض دوريا لقياس أدائي". هذه الآلية قاتلة للتواكلية والنوم على الروتين. وعلى أهمية شركة الكهرباء إلا أن الصنعة التعليمية هي أكثر أهمية، فما هم إلا نتاج الصنعة التعليمية. إذن ما الذي يمنع ما طبقه المهم، أن يطبقه الأهم؟!
تطوير صنعة المعلمين ستفرض اهتماما وقيمة واحتراما للمعلم في المجتمع، بتجهيز المدارس بمدرسين بمهارات احترافية أفضل، وتطوير أولئك الذين في الفصول. وألفت لأمر مهم قبل أن أنهي بأن المال مهم جدا في صنعة التعليم، إلا أنه ليس القضية الأولى.. صدقا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي