الاستقدام وأجور المواطنين الحلقة المفرغة
يسعى الجميع إلى الحصول على السلع والخدمات بأفضل الأسعار. هذا أمر معروف. هل ينطبق على المؤسسات والشركات؟ طبعا ينطبق. ينطبق عليها عند استئجار القوى البشرية. أصحاب الأعمال لا يختلفون عن المستهلكين: الجميع يبحث عن أفضل الأسعار، وهذا البحث ينطبق على استئجار البشر لأداء الأعمال. أفضل الأسعار يعني في العادة المواءمة بين السعر والجودة. في عالم المستهلكين، تتم المواءمة وفقا لاعتبارات، مثل عمر السلعة الإنتاجي المتوقع، وعدد مرات عطلها خلال هذا العمر، وتكلفة هذه الأعطال، ومدى تحمل السلعة للعمل في ظروف غير عادية... إلخ.
ماذا بشأن صاحب العمل؟
صاحب العمل يقيم من يرغب في توظيفه ليس فقط بأجره، بل ينظر أيضا إلى جودته، ويقيسها بعوامل، مثل مهاراته والمدة التي سيعمل فيها العامل وعدد مرات وساعات وأيام الانقطاع وتكلفة هذا الانقطاع ومدى تحمل وتقبل العامل للعمل في ظروف غير عادية... إلخ.
المبدأ السابق يفسر قوة الطلب على الاستقدام، أخذا في عين الاعتبار الظروف القائمة الحاكمة أو المحيطة بتوظيف السعوديين وغير السعوديين، ولا أظن أن هذه النقطة موضع جدل.
باب الاستقدام يزيد من المنافسة في سوق العمل ضد مصلحة أهل البلد، مثلما تزداد المنافسة في سوق أي سلعة أو خدمة عند وجود بضائع مستوردة. تزيد قوة هذه المنافسة إذا كانت البضاعة المستوردة تباع بسعر منافس أو أقل وتحمل ضمانات وميزات تزيد على ما يعطى مع البضائع المحلية.
ما أهم أثر للمنافسة؟
خفض الأسعار. هذا هو الأثر الأهم في العادة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لسياسات الاستقدام؟
خفض الأجور إذا كان الاستقدام أسهل، و/أو سياسات أجور وإِقامة وتشغيل من يستقدمون "بالبناء للمجهول" وضعت لمصلحة صاحب العمل. من الأمثلة على كونها وضعت لمصلحة صاحب العمل إلزام الوافد بالعمل لدى صاحب العمل حتى لو وجد عرضا أفضل من صاحب عمل آخر. ماذا يعني ذلك؟ منافسة أقوى، ما ينعكس اقتصاديا بصورة أسعار أفضل "من وجهة نظر أصحاب الأعمال" في أجور اليد العاملة.
ازدياد المنافسة في سوق العمل، ينتج منه الضغط على الأجور ودفعها إلى الانخفاض، تماما كما يحدث في أسواق السلع والخدمات الأخرى. وهذا بالنسبة للمواطنين "في المملكة وفي أي بلد فيه استقدام" يعني الضغط على أجورهم ودفعها للانخفاض.
ما العلاقة بين الأجور والعمل؟
مثل العلاقة بين الأسعار وعرض أي توفير السلع والخدمات: ارتفاع الأسعار يغري بالتوسع في توفير السلع والخدمات، وهذا ينطبق على القوى العاملة. ارتفاع الأجور يغري بالمزيد من العمل، أي العلاقة بين الأجور والعمل طردية.
وفي المقابل فالعلاقة بين الأجور والبطالة عكسية: تزيد البطالة وتقل الرغبة في العمل مع انخفاض الأجور.
ولذلك فإن ترشيد الاستقدام لابد منه. ولكن المشكلة تتمثل في تعريفه ثم كيفية الوصول إليه.
أصحاب الأعمال يرون أن بعض الأعمال لا يقدم عليها أبناء البلد، ومن جهة أخرى هناك نقص في اليد العاملة السعودية. إلى جانب عوامل أخرى تجعل أصحاب الأعمال يفضلون حل الاستقدام أو استمرار عمل غير السعوديين. ويبدو لي أن المسألة تدور نوعا ما في حلقة مفرغة. صحيح بعض الأعمال "مهن متدنية أجرا ونظرة اجتماعية" مستبعد جدا أن يقدم عليها السعوديون إلا ربما بعد حين من الدهر. لكن هناك أعمالا كثيرة وبأعداد كبيرة سيقدمون عليها لو تحسنت ظروفها وأجورها. ولكن الاستقدام وشدة الاعتماد على الوافدين صعب أو منع تحسن الظروف والأجور. أي أننا ندور في وضع أشبه بالآتي: حتى يتحقق (أ) لا بد أن يتحقق (ب)، ولكن حتى يتحقق (ب) لا بد أن يتحقق (أ). وكسر هذا الحلقة يكون بتضحيات من كل الأطراف الحكومة وأصحاب الأعمال والباحثين عن عمل، حتى نحقق توازنا جديدا في سوق العمل.