رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هبات رمضان وعطاياه

كل قلب مؤمن يبصر فيما يبصر حقيقة أن أيام رمضان ليست كسائر الأيام، وأن لياليه ليست كسائر الليالي، وأن ساعاته تختلف في حسها، ورهافتها، وسعيها إذ تسعى..!
في هذا الشفق الأخير من أيامه وساعاته، لعل نفس كل واحد منها ـــ تستبقي فيها ــــ بقية منه، وما تستطيعه من وصاياه، وأحمال الخير منه، لعل أهمها ــــ النظر للفقراء ــــ الذين جعلناهم كائنا يظهر في رمضان وحده، فيثير فينا الشفقة عليهم، والرحمة لهم، فنترك على أبوابهم، طعامهم لأيام معدودات!
وفي يوم العيد وهو اليوم الذي تختفي بعده ــــ ظاهرة كرم رمضان وعطاياه ــــ نستبقي في أيديهم زكاة الفطر، وعطية رمضان الأخيرة.. وبقية كرمنا الأخير منه على هذه ــــ الكائنات ــــ الموسمية التي نعتقد أن الصدقة، والمعروف، وواجب الكفاية، وواجب الزكاة عليهم لا تجب في غيره من الشهور مع يقيننا أن رمضان في غاياته الكبرى.. يبتغي أن يجمعنا على هذا الضعف في مجتمعنا الإنساني الكبير، أن يوحدنا على إنسانيتنا، بعد أن اقتربنا بفريضة الصوم إليها، بعد أن جاد الله علينا فيما أعطى ووهب، أن تكون النفس إليه في قربى، وشغف تبتل. من عطايا رمضان أن نستبقي كرم رمضان فينا، وألا نخرج ــــ الفقراء ــــ من حياتنا في الرأفة بهم، والرحمة لهم، وإيصال ذاك الموصوف في كتاب الله ــــ بالحق المعلوم ــــ "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" (25) المعارج. "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" (19) الذاريات.
في آخر شفق من أيامه ولياليه.. سيظل ــــ عهدنا لله ــــ بالخير والمعروف، الذي سنرفعه فيما نرفعه إلى الله ـ من دعاء خالص صادق، ومن بين لحظات الخضوع له في القيام، والخشوع له في ترتيل كتابه وقرآنه.. أن نحافظ على الوفاء بهذا الحق المضيع، الذي تجاوز أكثر من 118 مليار ريال في العام الماضي وحده، هي تهرب وتحايل على مصلحة الزكاة، التي يذهب كل ما يأتي إلى صندوقها لتلك الشريحة الأكثر فقرا وضعفا وحاجة من الناس!
ولعل الوسيلة الأفضل، في تطبيق عهدنا مع الله هو أن يجعل كل واحد منا ــــ حسابا فرعيا ــــ من حسابه البنكي، يجعله للباقيات الصالحات، التي هي خير الثواب وخير الرجاء والأمل عند تمام العمر، وانقضاء الأجل، وتمام المهلة. ويأمر البنك بالخصم الفوري ــــ للحق المعلوم هذا ــــ والإحالة إليه مباشرة وفورا، وبهذا يجتمع لديه ما يجبر يتيما، ويغيث ملهوفا، ويرفع كربة مكروب!
هذا الصندوق الفردي الصغير المتواضع، لا يقلل من عظمة شأنه، ومحبة الله له، ورضاه عن صاحبه، ودوام النظر إليه "القلة".. وعدم الكثرة.. هبات العبد لربه وعطيته، تعتمد على طهارة القلب، وصدق النية، وإخلاص القصد. أكثر من اعتمادها على الكثرة التي تحرم التوفيق، ويتجرد عنها الإخلاص.
أحسب أن هذه العزيمة بعد تمامها منك، هي من أجل هبات رمضان عليك، وأسناها وأعلاها وأشرفها وأرفعها، وكل هباته تتصف بالعلو والشرف والرفعة.
وأحسب أن حال ــــ الفقراء ــــ خلال سنة متصلة من العطاء المتواصل، سيتغير مما هو عليه، وأن رمضان حين يعود علينا في العام المقبل سيعلم أننا كنا خير من أوفى.. وأصدق من دعا.. وفي المحسنين الذين يحبهم الله وهم أقرب رحما!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي