لا تقل لي الفصل .. ولا برامج التعليم .. قل لي: المعلم (1 من 2)

.. هل المعلمون المتميزون يولدون، أم يصنعون؟
سؤال ليس سهلا الإجابة عنه كأي حالة إنسانية، ولكن تعلمنا مع الزمن محاولة ضبط الحالات الإنسانية قدر المستطاع، أحيانا مثل التجارب العلمية بإبعاد بعض التداخلات، كالمزاج الإنساني الفردي الذي يوجد كما تكلمنا في موضوع البساطة ما يسمى نظرية الفوضى (وأسميها الفوضى المنظمة).
توصل المهتمون بالرصد الإنساني بالسلوك والإنتاج وردود الأفعال لقياسات نمطية تشكل خطا عاما يُرتكن إليه نسبيا، ضمن خط آخر يصعد أو ينزل من مستوى الخط النمطي المستقيم، فجاءت أيضا مسألة نقاط المعدل الوسطي الرياضي، محاولة أن نقترب أكثر للدقة في قياس الأداء البشري مع إدخال الفروقات الفردية لا إقصائها.
قد يكون الكلام السابق به جفاف علمي بسطته ما أمكن. ولكن دعونا نمد بساطا أحمديا ونتكلم عفو الخاطر بيننا ونحاول أن نجد إجابة للسؤال المستعرض في صدر المقال، ولن تكون هناك إجابة، بل محاولات حلول. وهي محاولات ستجد نجاحا.. هذا مؤكد متى ما اعتنينا بالمدخلات التدريبية والمعلمين، إلا أنه وهذا طبيعي ضمن نظرية الإحداثات المفاجئة في نظرية الفوضى الفيزيائية لن تكون المحاولات ناجحة بشكل كامل تام. وسيكون هناك تقدم من مستوى إلى مستوى أعلى آخر، ثم تُقاس وتطوَّر وهكذا.
بالنسبة للمعلمين العظام العاديين ليسوا نادرين كما نتصور، هم أكثر كثيرا مما نتخيل. أستطيع أن أجزم بأن كل من يقرأ هذا المقال الآن يتذكر معلما عظيما عاديا أو معلمة استثنائية ضمن المسار التعليمي كاملا. وبالتالي فإذن هم ليسوا نادرين، وتتفاوت عظمة هؤلاء المعلمين، ولكن أقلهم عظمة يكفي ونعمة من الله، وإن وضعنا خطا تركيزيا مع رصد بحثي عن المعلم العظيم العادي أنا أؤكد أن كل مدرسة ستجد واحدا على الأقل.. ثم يأتي طبعا عنصر مهم، وهو كيف سيتعامل مدير المدرسة مع هذا المعلم، وهنا تدور كل المسألة حول توظيف قدرات هذا المعلم، أو حشو صدره بالإحباط.
المعلمون الذين ولدوا عظاما أقل بطبيعة الحال، فعندما يقول شخص مثل أستاذنا المثقف الإنساني "حمد القاضي"، إن معلمه هو حمد الجاسر، فلا شك أنه يتحدث عن رجل عظيم يتكرر. نعم، ولكن ليس ميسورا. وعندما يطري طلاب أستاذا عظيما قام على أجيال وبقي منحوتا في ذاكراتهم ونفسياتهم وعقولهم مثل "عثمان الصالح"، فهذا يتكرر نعم، ولكن ليس ميسورا. وعندما يتكلم الناس من جيل أبي وأعمامي الكبار وأخوالي عن معلم حجازي عظيم جاء للجبيل في أول الخمسينيات من القرن المنصرم وبقي حيا كالأسطورة في أذهانهم وذكرياتهم ونقلوا هذا الإبهار لأبنائهم وهو الأستاذ الذي يسمونه زين العابدين ويقفون، وكأن لا زين عابدين في الكوكب إلا هو. فهذا نعم يتكرر، ولكن ليس ميسورا. وعندما احتفلنا نحن طلاب مدارس رحيمة قبل شهور بأستاذنا الذي رافقنا من الابتدائية للمتوسطة، فلأنه بقي في أذهاننا رمزا عظيما وكنت أتخيل وأنا صغير أدمن قراءة مجلات سوبرمان المصورة أنه هو سوبرمان وأنه أقوى رجل في العالم. ولم تكذّب أمي خيالي بل أذكته كوسيلة تربوية بلا عنف كي أجتهد وأذاكر. الأستاذ جاسم يكرر ــ ولكن هذا ليس ميسورا.
على أن هناك شيئا مهما يجمع هؤلاء المعلمين العظام، أنهم يولدون عظماء، يضع فيهم الله قدرات لا تتوافر في غيرهم.
نعود للمعلمين العظام العاديين في الجزء الثاني من المقال.. وسنرى إن كان بمقدورنا صنع معلمين استثنائيين كأهم عنصر في تحصيل خططنا للعقود المقبلة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي