محمد بن سلمان في باريس .. حراك برؤية 2030
زيارة العمل الثانية التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد إلى فرنسا، تأتي ضمن الحراك الكبير الذي تقوم به القيادة العليا في السعودية، من أجل تدعيم العلاقات مع البلدان المحورية على الساحة الدولية. كما أنها تتم في ظل الجهود الرامية إلى توفير أفضل الأدوات لتنفيذ "رؤية المملكة 2030" التي تختص بالشأن الوطني الخالص، ولكن روابطها العالمية كبيرة، نظرا لما تتمتع به السعودية من دور محوري أيضا، سواء من خلال وضعيتها الاقتصادية المتنامية، أو دورها في التجمعات والمؤسسات العالمية الاقتصادية الكبرى، وفي مقدمتها عضويتها الثابتة في مجموعة العشرين. كما أنها تأتي متناغمة مع الحراك العام الذي يقوم به الأمير محمد بن سلمان شخصيا محليا ودوليا.
أمام السعودية مراحل مهمة استراتيجية، تشكل اقتصادا وطنيا جديدا لا يشبه ما كان قائما في العقود الماضية.
العلاقات التي تجمع المملكة بفرنسا واسعة وعميقة، وتختص بكل الملفات الإقليمية والعالمية المطروحة، ولاسيما تلك المتفاعلة. الآن تحارب السعودية الإرهاب مع توفير أفضل الوسائل لإتمام المهمة في القضاء على هذا الوباء الآثم. وفرنسا تخوض أيضا حربا ضد الإرهاب، قبل وبعد العمليات الإرهابية الإجرامية التي تعرضت لها أخيرا. والتعاون بين هذين البلدين بصورة متفاعلة يختصر المسافة إلى الهدف الأسمى، وهو القضاء نهائيا على الإرهاب، لا سيما أن السعودية كانت سباقة في هذا المجال، وأطلقت سلسلة من المبادرات التي تختص بالحرب على الإرهاب عالميا، وليس محليا أو إقليميا فقط، كما أنها رصدت الأموال اللازمة لتنفيذ المخططات الناجعة في هذا المجال. دون أن ننسى، أنها هي نفسها تتعرض لهذه الآفة، وكذلك بلدان المنطقة، خصوصا مع تصاعد التدخلات الإيرانية الخبيثة في هذا البلد أو ذاك، التي تهدف أساسا لنشر الإرهاب والقتل والفوضى.
زيارة ولي ولي العهد لفرنسا تأتي مباشرة مع زيارة استراتيجية مهمة للغاية للولايات المتحدة، حددت معالم جديدة للعلاقات، ودعمت الجسور القائمة أصلا بين البلدين. فالزيارة الأولى في الواقع تكمل الثانية من حيث العلاقات، ومن جهة التعاون في كل المجالات، بما في ذلك التوصل لحلول ناجعة للأزمات التي تعانيها بعض دول المنطقة، وعلى وجه الخصوص الملفان السوري والعراقي، إضافة طبعا للدور الإيراني المصعد لهذه الأزمات. وعمق العلاقات السعودية-الفرنسية يمهد الطريق لمزيد من التعاون والإجراءات المطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى. فضلا عن أن رؤية فرنسا للدور السعودي واضحة بأن السعودية تمثل ركيزة رئيسة لاستقرار المنطقة كلها، بل وتسهم مباشرة في استقرار الوضع على الساحة العالمية، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أيضا.
الوفد المرافق لولي ولي العهد على أعلى مستوى، وكذلك متنوع الاختصاصات، ما يشير إلى أن نتائج هذه الزيارة ستكون مهمة تتوازى مع أهمية الزائر الكبير والوفد الذي يصحبه معه. والملفات على الصعيد الاقتصادي متنوعة، وترتبط بصور مباشرة أو غير مباشرة ببرنامج التحول السعودي، الذي أبدت البلدان الغربية المؤثرة اهتماما كبيرا به وبـ "رؤية المملكة"، من منطلق المشاركة فيه عن طريق الاستثمارات التنموية. مع ضرورة الإشارة إلى أن المجال مفتوح لكل الجهات التي ترغب في الاستثمار والدخول للسوق السعودي في مختلف القطاعات، مستفيدة من التشريعات والقوانين التي اتخذت في الأشهر القليلة الماضية، وتصب في قناة التسهيلات والانفتاح الاقتصادي. السعودية الآن تحول اقتصادها إلى اقتصاد متنوع للوصول إلى المرحلة المستدامة المطلوبة. والاستحقاقات أمام السعودية ليست سهلة، لكنها في النهاية لن تشكل عقبة أمام مخططات تحاكي المستقبل بكل تبعاته واستحقاقاته ومفاجآته.