الاستراتيجية الوطنية للسلامة المائية
في إطار تحليله لأسباب ضعف الأداء الرياضي للسباحين السعوديين وعدم قدرتهم على تحقيق بطولات دولية في الألعاب الآسيوية والأولمبية، توصل اتحاد السباحة لحقيقة ضعف منظومة إنتاج الرياضيين في مجال الألعاب المائية عموما، الأمر الذي أدى لضعف مستوى البطولات المحلية لجهة عدد المشاركين ولجهة مستوياتهم الرياضية، ما أفضى إلى ندرة اللاعبين الموهوبين في مجال الألعاب المائية من جهة وانعدام تام للسباحين، الذين يحققون معايير الأداء الرياضي العالي أو بمعنى آخر للسباحين المنافسين، وفق معايير المنافسة الدولية.
وفي سبيل معالجة البيئة الإنتاجية، أطلق الاتحاد مشروع تطوير الألعاب المائية لتعزيز قوة عناصر المنظومة الإنتاجية وتفعيلها لتوسيع قاعدة الرياضيين في مجال الألعاب المائية وتحفيزهم لممارستها، وفق المعايير الدولية ومشاركتهم في البطولات المحلية للوصول لأعداد كبيرة من الموهوبين لاختيار الملائم منهم لتأهيله للأداء الرياضي العالي للمشاركة في المنتخبات وتحقيق البطولات.
مشروع تطوير الألعاب المائية ومن خلال استقرائه التجارب الدولية الناجحة ومقارنتها بالواقع المحلي توصل لموضوع مهم وحاسم في قضية محفزات أو عوائق إقبال الشباب لممارسة الألعاب المائية وهو مستوى السلامة المائية في المسابح لجهة السلامة من حوادث المسابح كالغرق أو السقوط، ولجهة سلامة الماء من الأحماض الزائدة والميكروبات والأوساخ المسببة للأمراض الآنية والمزمنة، ولجهة السلامة الأخلاقية من الاعتداءات الجسدية أو غيرها، وكلنا يعلم أن هذه القضايا حاسمة في اتخاذ الشاب أو والديه قرار الذهاب للمسابح لتعلم السباحة أو ممارستها كرياضة أو ممارستها كهواية للمتعة والصحة واللياقة.
المشروع وأثناء بحثه موضوع السلامة المائية في المسابح العامة توصل إلى حقيقة أخرى وهي ضعف مستوى السلامة المائية بشكل عام في المسابح الخاصة والعامة وفي المسطحات المائية الطبيعية كالشواطئ وكذلك أثناء الحالات المطرية الغزيرة وتشكل البرك والسيول والفيضانات التي تحاصر الناس بشكل مفاجئ، وباختصار المشروع لم يجد استراتيجية للسلامة المائية، بل جهود متناثرة يقوم بها الدفاع المدني وحرس الحدود البحرية وبعض الجهات التطوعية التي تشارك الدفاع المدني جهود الإنقاذ في الحالات المطرية الاستثنائية.
المشروع أيضا توصل لضعف رقابة سلامة المسابح العامة، التي لا يوجد لديها معايير للسلامة تتبعها في محاور السلامة الثلاثة (الغرق والسقوط، ونظافة المياه، والأخلاق)، الأمر الذي انعكس سلبا على سلامتها ومن أهم ما لاحظه القائمون على المشروع ضعف معايير الإنقاذ، حيث ندرة المنقذين وعدم التزامهم بالمعايير الدولية للإنقاذ، الأمر الذي أدى لتركيز المشروع على تأهيل أعداد كبيرة من المنقذين تلبي الطلب على المنقذين المؤهلين القادرين على تطبيق معايير الإنقاذ الدولية لرفع مستوى السلامة من الغرق، إضافة لما أعده المشروع من معايير عممها على كثير من المسابح العامة لتطبيقها لتحقيق السلامة المائية بكل أبعادها بالمسابح العامة.
حقيقة موضوع السلامة المائية واستراتيجياتها موضوع مهم جدا، خصوصا أن لدينا آلاف الكيلو مترات من الشواطئ، التي يرتادها الشباب والأطفال والأسر، كما لدينا مناطق ريفية وجبلية بها آبار وبرك وسدود مائية، إضافة إلى مشكلة التقلبات المناخية التي تشكل المسطحات المائية الطويلة والقصيرة المدة، التي يرتادها الناس بشغف بسبب ندرة الأمطار، ما يعرضهم لمخاطر الغرق، فماذا لو أضفنا لها المسابح العامة والخاصة التي بدأت بالانتشار بشكل كبير ودائما ما نسمع ونقرأ عن حالات غرق وأمراض مزمنة وشلل دماغي نتيجة السباحة في مسابح ملوثة أو السقوط في مسطحات جارفة أو السباحة دون إتقان مهاراتها، ولا شك أن اتحاد السباحة في مشروعه لتطوير الألعاب المائية سلط الضوء على هذا الموضوع المهم وفتح لنا مساحة كبيرة للتفكير وطرح بعض الحلول والشروع في تنفيذها على مستوى البلاد.
يبدو لي أن إعداد وتنفيذ استراتيجية السلامة المائية في المسطحات الخاصة والعامة والشواطئ والبحار والبرك والمستنقعات والسيول بكل أنحاء المملكة باتت ضرورة، ولقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الغرق يمثل ثالث أهم أسباب الوفيات الناجمة عن الإصابات غير المتعمدة في جميع أنحاء العالم، حيث يقف وراء حدوث 7 في المائة من مجموع تلك الوفيات المتعلقة بالحوادث التي تتركز في الأطفال والذكور والأفراد الذين تتاح لهم، أكثر من غيرهم، فرص الوصول إلى المياه، ويبدو لي أن جهودا في هذا الاتجاه يجب أن تقودها جهة حكومية معنية بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات الصلة وأتوقع أن الهلال الأحمر يمكن أن يكون الجهة الأولى المعنية بالإنقاذ والإسعاف ويمكن أن يتعاون مع الدفاع المدني وحرس الحدود واتحاد السباحة ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة، خصوصا المؤسسات التطوعية، التي باتت قوالب مهمة في مساندة جهود الدولة في أي قضية كانت، خصوصا في القضايا ذات الطبيعة الاستثنائية التي تتطلب جهودا إضافية لجهود موظفي الدولة المعنيين.
السباحة أو الغطس أو ممارسة الألعاب المائية المسلية أو ركوب القوارب أمر ممتع إلا أن الأخطار قائمة وقد تحول المتعة إلى نكد ما لم يتم أخذ الحيطة والحذر والالتزام بالمعايير والمتطلبات ومن ذلك تعلم السباحة والقدرة على إنقاذ النفس والغير واستخدام أدوات السلامة كسترة النجاة وعدم ممارسة السباحة بشكل منفرد أو أثناء الطقس السيئ، ولا شك أن جهود اتحاد السباحة في تعليم السباحة وتحفيز عناصر منظومة السباحة لتعليمها، وفق المعايير، إضافة لتأهيل المعلمين والمنقذين وضخهم في المؤسسات المعنية بالألعاب المائية له دور كبير في تعزيز مستوى السلامة المائية، ولكن كما هو معلوم، فإن الاتحاد مؤسسة رياضية محدودة القدرات البشرية والمالية، ولا يمكن أن تحقق السلامة المائية المنشودة منفردة مهما بذلت من جهود، ويكفي أنها بادرت ونبهت وأسهمت وحان الوقت للالتفات لقضية السلامة المائية من أجهزة أكثر قدرة وإمكانات.
ختاما، أتطلع أن تقود هيئة الهلال الأحمر المعنية بالإسعاف والإنقاذ جهود بناء استراتيجية وطنية للسلامة المائية بالشراكة مع كل الجهات المعنية من أجهزة حكومية وشركات خاصة ومؤسسات مجتمع مدني، وأن تستثمر الجهود والنتائج التي حققها اتحاد السباحة للوصول إلى بيئة سليمة ومحفزة لممارسة كل الأنشطة المائية وبأي نوع من المسطحات المائية بأعلى درجات السلامة المائية الممكنة.