المتسولون الأثرياء
تنتشر ظاهرة التسول بكثرة خلال شهر رمضان الكريم ويستغل المتسولون قلوب الناس المتعطشة للأجر المضاعف والحسنات العظيمة "فيتفننون" في ابتكار وسائل تستدر عطفهم وإحسانهم وبالتالي جيوبهم.
لست ضد مد يد العون للمحتاجين ولكن ما الذي يمنع شخصا يتمتع بالقدرة الجسدية والصحة الكاملة من أن يبذل جهده في الحصول على عمل يكفيه ذل السؤال ومد يده نحو جيوب الآخرين. قد نتجاوز إنسانيا وتغلبنا عواطفنا نحو طفل يتسول، ولكن ما المبرر الذي يدفعنا للتصدق على شاب وشابة في قمة عافيتهما وقوتهما الجسدية أيا كانت أعذارهما؟!
في محافظة بني سويف في مصر عاش "العم كامل" وهكذا كان يناديه الأهالي الذين كانوا يعطفون عليه وهم يشاهدونه بملابسه البالية ومظهره الرث فيجودون عليه بالصدقات وبقايا الأطعمة، كان "العم كامل" متسولا محترفا وحين توفي صدم الأهالي حين اكتشفوا أنه يمتلك ثروة تقدر بثلاثة ملايين ونصف المليون جنيه مصري وعمارتين في محافظة الجيزة.
وفي محافظة جدة عاشت الخالة "عيشة" حياة التسول والبؤس والفقر فكان أهالي الحي الذين كانت تعيش بينهم يعطفون عليها ويرثون لحالها وحال شقيقتها ووالدتها فقد كان منظرهن وهن عائدات بعد يوم طويل من التسول يثير شفقة أهل الحي.. وفي نحو الـ 90 من عمرها انتقلت "الخالة عيشة "إلى جوار ربها، فلم يصدم أهالي الحي بموتها بقدر صدمتهم من ثروتها التي تركتها خلفها والتي تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين ريال نقدا ومجوهرات بمليون ريال أخرى إضافة إلى امتلاكها أربع عمائر سكنية مؤجرة وفي الحي نفسه الذي كان أهله يجودون عليها بالصدقات.وأذكر وصلتني في إحدى المرات رسالة من معلمة فاضلة تقول "تعمل لدينا في المدرسة الأهلية التي أعمل بها مستخدمة أحضرناها بالأجرة وكنا نعطف عليها ونجمع لها مبلغا من المال شهريا نساعدها به نظرا لكثرة شكواها من ظروفها الصعبة وفقرها المدقع. وفي إحدى المرات ذهبت للبنك فرأيتها هناك تودع مبلغا تجاوز الـ 50 ألفا وحين هددتها بفضح أمرها أخبرتني أنها تحترف التسول بعد انتهاء عملها.. فهل أحذر زميلاتي اللاتي تستغل طيبة قلوبهن؟!".
تركيزنا على هؤلاء المتسولين الذين قد يكونون أكثر ثراء من الكثيرين منا، قد يحجب أنظارنا عن فقراء ومحتاجين حقيقيين يمنعهم التعفف والحياء من مد أيديهم للآخرين، ويكمن الأجر الحقيقي في تلمس حاجاتهم واحتياجاتهم والدفع بالزكاة والصدقات والإحسان إليهم.
وخزة
أصبح التسول في وقتنا الحالي عملا منظما وسوقا سوداء فلنحرص ألا تكون نوايانا الحسنة من ضحاياه!