رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


البلدان النفطية .. إصلاحات ولكن

ليست كل البلدان التي تعتمد على النفط في مداخيلها متساوية من حيث المخاطر التي تستهدف موازناتها العامة، على الرغم من أن كل الموازنات تأثرت سلبا بالتراجع التاريخي الهائل لأسعار النفط، في إطار العملية التصحيحية الهائلة أيضا لأسواق النفط العالمية. بعض هذه البلدان تمتلك الفوائض اللازمة للتحول من اقتصادات نفطية شبه خالصة، إلى اقتصادات أكثر تنوعا واستدامة. وبعضها الآخر يعاني أساسا حتى قبل انخفاض أسعار النفط من أزمات اقتصادية، بما في ذلك تزعزع الموازنات العامة لها. وهذه الأخيرة كانت تحتاج حتى في ظل وصول أسعار النفط إلى أرقام قياسية عليا، إلى العمل بجد على توازن موازناتها، إن صح التعبير. بمعنى آخر، كان التغيير مطلوبا حتى في ظل عوائد نفطية مرتفعة ساعدت المشهد الاقتصادي على مدى عدة أعوام.
وفي كل الأحوال، أطلقت البلدان النفطية، سواء تلك التي تتمتع بفوائض مالية كبيرة ومتوسطة، أو تلك التي لا تتمتع بأي فوائض، عمليات تقشف تظهر إجراءاتها بأنها ماضية حتى النهاية في تحقيق الأهداف الموضوعة لها، وفي مقدمتها خفض العجز في الموازنات، ونقل الاقتصادات إلى مرحلة تواءم متطلبات والمتغيرات والمفاجآت، والأهم من هذا كله، إلى حالة الاستدامة المطلوبة. وهذه الأخيرة لن تتم بالطبع إذا لم تصل الاقتصادات المعنية إلى مستوى مقبول من التنويع الاقتصادي. ليس مهما أن تصل إلى الاقتصاد الكلي في مرحلة زمنية قصيرة، المهم أن تكون القواعد التي توضع حاليا متينة بما يكفي للوصول إلى وضعية الاقتصاد المذكور. الأمر يتطلب مدة أطول، وجهودا أكثر قوة، ورؤية أعمق لمستقبل الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.
ترحيب صندوق النقد الدولي أخيرا بإجراءات التقشف التي بدأت في الدول النفطية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يؤكد أن هذه البلدان اتخذت القرارات الصحيحة في الوقت المناسب. بل يمكن القول في الوقت الصعب. وسواء تأخرت هذه الدول في الإصلاح أم لم تتأخر، فإن نتائج التحرك بدأت تظهر على الساحة، بما في ذلك الحد من الإنفاق الحكومي المنفلت أحيانا. غير أن ذلك، لن يقدم إنجازات أعلى قوة إذا لم يتم ضبط العجز في الموازنات العامة. وهذا يعني، أن على البلدان المشار إليها التأقلم بصورة أسرع مع الحقيقة السوقية للنفط، بعد أن انخفضت أسعاره إلى أكثر من النصف في غضون عام ونصف العام فقط. ويتوقع صندوق النقد، أن تسجل دول الخليج والجزائر عجزا متراكما في موازناتها يصل إلى 900 مليار دولار حتى عام 2021. وهو عجز كما يبدو واضحا كبيرا جدا.
ورغم خطوات خفض الإنفاق، إلا أن غالبية البلدان المعنية تحتاج بالفعل إلى خفض الإنفاق العام بحدود الثلث على الأقل لكي تمضي قدما في ضبط الموازنات، والسير بخطوات واقعية في عملية التنمية والإصلاح التي باتت متلازمة بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلدان الاقتصادي. المخاوف كبيرة بلا شك، وهناك استحقاقات عالية التكلفة، بما في ذلك الحد من البطالة في البلدان النفطية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصبح 1.3 مليون شخص إضافي عاطلين عن العمل بحلول عام 2021، في ضوء الضغوط على موازنات الدول المذكورة. وهذا يحمل البلدان المعنية مسؤولية أكبر في المديين المتوسط والبعيد. فهي من ناحية تسعى لضبط موازناتها، وفي الوقت نفسه يجب عليها أن توفر فرص عمل حقيقية (لا وهمية) تستوعب الوافدين المواطنين إلى السوق.
وهنا يبرز عامل رئيس يتعلق بالقطاع الخاص الذي يمكنه أن يقوم بدور أساسي في عملية التنمية والإصلاح والتنوع. مما يعزز حراك الإجراءات الخاصة بالتسهيلات المطلوبة على صعيد الاستثمارات المحلية والأجنبية في آن معا. إنها عملية شاملة تتطلب مزيدا من الوقت، والأهم الكثير من الواقعية والصراحة والشفافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي