النخيل وتنويع الاقتصاد
«رؤية 2030» تمثل تحولا في طريقة التفكير في رسم المستقبل الذي يؤرق الجميع خاصة أننا في عالم أبرز ما يميزه الجشع والصراعات والحروب، ومع أن جوهر «الرؤية»اقتصادي إلا أن التحول الاقتصادي يتطلب استثمار العناصر المتوافرة كافة، بل صنع عناصر أخرى تسهم في إنجاح الرؤية أسوة بدول مثل كوريا، وسنغافورة، واليابان التي لا يتوافر لها من عناصر الثراء شيء، ومع ذلك تمكنت خلال عقود لا تزيد على الأربعة من بناء اقتصادات قوية تنافس دولا سبقتها في مشوار التنمية، ويتوافر لها مصادر طبيعية ضخمة.
فيما قرأته عن «الرؤية» في شقها الاقتصادي لم أجد شيئا عن النخيل، والدور المحتمل لها في تنويع مصادر الدخل، وخدمة فكرة التحول الاقتصادي، ومع إدراكي لإشكالية التوسع في الزراعة، وما يترتب عليه من تأثير في مصادر المياه الشحيحة في الأساس، إذ لا أنهار، ولا ينابيع، ولا أمطار غزيرة، إلا أنه لا يمكن إنكار ارتباط الجزيرة العربية بالنخيل منذ عصور قديمة، حيث كانت تمثل المصدر الأساس لدخل الكثير من الأسر، سواء في منتجات التمور، أو الصناعات القائمة على سعفها، وخوصها، وليفها وكربها، وجذوعها.
الأثاث، والفرش، والأبواب، وسقوف المنازل، وغيرها كانت قائمة على النخيل، ووجدت مهن عديدة قائمة على المواد المستمدة من النخلة. وقيمة النخيل لمن يملكها كانت تمثل مؤشرا على الثراء، أو على أقل تقدير الاكتفاء، حيث يتوافر لصاحبها تحقيق متطلبات حياة العائلة، ونعلم من التاريخ أن الهجرات التي حدثت من الجزيرة كانت من قبل أناس لم يكن لهم نخيل، أو ملك، أو حيالة على حسب تسميات المناطق، ما اضطرهم للرحيل طلبا للرزق، خاصة في أزمنة الجوع، والقحط التي مرت على الجزيرة العربية.
علاقة إنسان الجزيرة بالنخلة علاقة وثيقة، ويكفي أن القرآن ذكرها في مواضع عدة ((والنخل باسقات لها طلع نضيد))، ((فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون))، كما أن الشعراء جادت قرائحهم بوصفها، والتغزل بجمالها، وذكر مزاياها، وقيمتها في حياة الناس، وواقع الحال يشهد باهتمام الأفراد، وارتباطهم بالنخلة، إذ من النادر أن تجد بيتا يخلو من النخيل، لما لمسه الناس من فوائد جمة لها، كما أن الاهتمام الرسمي بالنخلة، وغرسها شجع المزارعين على التوسع، ما حول مساحات شاسعة من مناطق السعودية إلى مزارع نخيل، ويكفي ما نشاهده من إنتاج غزير، وحمى شرائية في موسم التمر، حتى أن سوق التمر في بريدة تحول إلى تظاهرة اقتصادية موسمية ليس على مستوى السعودية، بل على مستوى الإقليم حيث يقصد سوق التمور من سكان الدول المجاورة.
مناطق ومحافظات عدة في السعودية تشتهر بالنخيل، فمنطقة الرياض، والمدينة المنورة، والقصيم، والأحساء، والقطيف، وبيشة، والجوف، وحائل كلها مناطق صالحة لزراعة النخيل، ولذا يلزم أن نسأل كيف يمكن أن تسهم هذه الثروة الوطنية الهائلة التي تبلغ الملايين في تحقيق التحول الوطني الذي ينقلنا من الاعتماد على النفط إلى تنويع المصادر؟ في ظني أننا بحاجة ماسة لمزيد من الاستثمار الأمثل من خلال تطوير الصناعات القائمة على التمور، ومواد النخلة الأخرى.
أسواقنا تمتلئ بالأغذية المستوردة، خاصة الحلويات، والشكولاتة، والشيرة فهل بإمكان عقول المتخصصين في الغذاء أن يبتكروا صناعات غذائية قائمة، ومستنتجة من التمور، كما أن أسواقنا تمتلئ بصناعات أثاث وزينة مستوردة قائمة على مواد النخيل، وفي هذا مجال خصب لسد حاجة السوق المحلية، والتصدير لنشكل رافدا اقتصاديا جديدا، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة تحمي الشباب من البطالة وتوفر مصدر رزق حلال.
التمور لو تم تعليبها بعبوات جميلة، وتم تسويقها بالشكل المناسب في أسواق العالم سنكون منافسا قويا لمن سبقنا في غزو أسواق العالم بتموره، خاصة التنوع الكبير في الأنواع، والألوان، والأحجام.