جودة الإنسان .. طريق التقدم
الجودة معيار رئيس من معايير النجاح والتفوق في أداء الأعمال وتنفيذ الإجراءات، وفي تقديم المعطيات المختلفة، من منتجات أو خدمات. الجميع يرغب في تحقيق الجودة فهي وسيلة للتنمية والتقدم على المستويات كافة، بدءا من المستوى الشخصي ووصولا إلى مستوى المؤسسات والدول. ولكن أيا كان المستوى، تكمن الجودة في الإنسان الفرد الذي يؤدي جميع الأعمال ويقدم كل المعطيات. فإن تمتع هذا الإنسان بصفات الجودة، نقلها إلى ما يؤديه من أعمال وما يعطيه من منجزات. من هذا المنطلق نرى أن "مكمن الجودة هو الإنسان"، وأن علينا أن نهتم بذلك كي نحقق آمالنا في النجاح والتفوق وتفعيل التنمية وتعزيز استدامتها.
إذا نظرنا إلى صفات الجودة في الإنسان، ونحن في شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن، نجد في ديننا الإسلامي الحنيف ثروة من هذه الصفات علينا أن نتذكرها دائما وأن نسعى إلى التحلي بها، ففيها رضا الله عز وجل، ثم منها أيضا النجاح والتقدم في هذه الدنيا على المستويات كافة. ينهل هذا المقال بعضا من صفات الجودة التي دعا إليها الإسلام، ويسعى إلى عرضها في إطار حاجة كل منا إلى التحلي بها، كي نستطيع تحقيق تطلعاتنا، والإسهام في التقدم والتنمية.
يتجلى جوهر الجودة في قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فالأخلاق هي السلوك القويم للإنسان، هي الالتزام الذي تحتاج إليه الأعمال في شتى المجالات. صاحب الأخلاق الحميدة مصدر ثقة الناس، واطمئنانهم على أمانته في العمل، وابتعاده عن الفساد، وارتياحهم لتبادل المنافع معه. ولعلنا نتذكر في إطار أخلاقيات العمل أيضا قولا آخر للرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"؛ وقول الله تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".
من العمل والتعامل مع الآخرين، تبرز مشكلات لا بد من حلها من خلال صفات الجودة التي تسعى إلى تفعيل الخير، بمختلف جوانبه، الذي حثنا الله تعالى عليه بقوله "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"؛ والتي تعمل أيضا على الابتعاد عن الشر، بشتى أبعاده، الذي حذرنا الله منه بقوله "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". ولعلنا نطرح فيما يلي بعض المشكلات وصفات الجودة التي تعالجها، التي من علينا الدين الإسلامي الحنيف بها.
بين المشكلات هناك مسألة "معالجة" القضايا المطروحة. ويبرز في هذا المجال توجه يستسلم للأهواء، وهو التوجه الذي يحذرنا الله تعالى منه بقوله "أرأيت من اتخذ إلهه هواه"؛ وتوجه آخر يحفز العقل والحكمة، وهو التوجه الذي يحثنا الله تعالى عليه بقوله "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب". وإذا أخذنا جانب كفاءة الإنفاق في مبدأ التعامل مع قضايا الحياة نجد الله تعالى يعلمنا عدم الإسراف ويوجهنا بعدم التقتير بقوله عز وجل " الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما".
وهناك بين المشكلات، إضافة إلى ما سبق، مسألة " التواصل والتعاون" مع الآخرين. في هذا الموضوع يقول الله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"؛ وفي ذلك دعوة إلى التعارف والتواصل وتبادل الخبرات بين الناس أجمعين. ويقول تعالى في هذا الموضوع أيضا "إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"؛ ولا شك أن في ذلك ما يعزز التعاون والوئام بين الناس. كما يقول تعالى كذلك "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"؛ وفي ذلك توجيه نحو العمل على بناء بيئة الأمن والأمان والبعد عن الإثم والعدوان.
وهناك بعد ذلك مسألة "إدارة التنازع" أو الخلافات مع الآخرين. فإذا كان الخلاف ناتجا عن ظن وليس عن يقين، يقول تعالى "اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم". وإذا صاحب الخلاف الغيظ أو الغضب، يقول تعالى "والكاظمون الغيظ"؛ كما يقول أيضا "وإذا ما غضبوا هم يغفرون". وإذا اقترن الخلاف بالسخرية والابتعاد عن اللباقة، فإن الله تعالى يدين ذلك، إذ يقول "ولا تنابزوا بالألقاب"؛ كما يقول أيضا "لا يسخر قوم من قوم".
وإذا كان الخلاف ناتجا عن وعود أو عهود لم تنفذ، فإن الله تعالى يستنكر ذلك أيضا، حيث يقول "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"؛ كما يقول أيضا "فليؤد الذي اؤتمن أمانته". وفي حل المنازعات، يقول جل جلاله "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"؛ ويقول أيضا "وأن تعفوا أقرب للتقوى". وإذا شعر الإنسان أنه أخطأ في النزاع مع أي جهة كانت فلا بد من التوبة، حيث يقول تعالى "إن الله يحب التوابين".
وننتقل إلى مسألة السلوك من "موقع السلطة والمسؤولية"، وكيفية التعامل مع الآخرين من خلال هذا الموقع. في هذا المجال، يقول الله تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". ويقول أيضا "إن الله لا يحب المستكبرين"؛ كما يقول "إنه لا يحب الظالمين"؛ ويقول أيضا "كونوا مع الصادقين". وإذا استطاع الإنسان من خلال موقعه أن يساعد الآخرين، فإن عليه في هذا المجال واجبا إنسانيا آخر تلخصه الآية الكريمة التي تقول "لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى". ثم إذا أراد تكليف أحد معاونيه بعمل ما، فعليه أن يدرك إمكاناته ويعرف أخلاقياته؛ ويقول تعالى في هذا المجال "إن خير من استأجرت القوي الأمين".
هذا غيض من فيض من صفات جودة الإنسان التي تعلمناها من ديننا الحنيف. في مكارم الأخلاق التزام بأداء العمل يحرص على الخير ويبتعد عن الشر. وفي معالجة قضايا العمل تفعيل للتفكير وتوخ للحكمة والبعد عن الإسراف وعن التقتير أيضا. التواصل مع الآخرين مفتوح على جميع الناس ومؤسس على التعاون وعلى البعد عن الإثم والعدوان. وحل الخلافات يجب أن يسلك طريق الدفع بالتي هي أحسن. ثم عماد السلطة يكون بالعدل والابتعاد عن الظلم، وبالاستعانة بكل قوي أمين. لعلنا نتذكر دائما هذه الصفات الرفيعة ونسعى إلى العمل بها؛ هي من عند الله للبشر أجمعين ومن أجلهم أجمعين.