البلدان المصدرة للنفط تتعايش مع انخفاض أسعاره

البلدان المصدرة للنفط تتعايش مع انخفاض أسعاره

أدى الهبوط الكبير والمطول في أسعار النفط منذ منتصف 2014، إلى تغيير أحوال الكثير من البلدان المصدّرة للطاقة حول العالم. ينطبق هذا بوجه خاص على بلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى؛ لأنها تضم 11 من بلدان العالم العشرين الكبرى المصدّرة للنفط. وتحولت أغلبية موازناتها العامة من تحقيق فائض إلى تسجيل عجز كبير، كما تباطأ فيها النمو، وزادت المخاطر على استقرارها المالي. وفي مثل هذه البيئة المحفوفة بالتحديات، لن يكون اتباع سياسة "العمل كالمعتاد" أمراً كافياً ـــ فسيكون على صُناع السياسات اعتماد تدابير مؤثرة لوضع الميزانيات العامة على مسار أسلم، ومعالجة المخاطر التي تتعرّض لها السيولة وجودة الأصول في القطاع المالي، وتحسين آفاق النمو. وستكون هذه عملية صعبة وطويلة الأجل، لكن الأمر المبشر هو أن كثيراً من البلدان بدأت بداية قوية، وخاصة فيما يتعلق بسياسات الميزانية.

تقييد الإنفاق
في المراحل المبكرة من انخفاض أسعار النفط، اتخذت معظم البلدان إجراءً ملائماً حين استعانت بمدخراتها لمواجهة نقص الإيرادات النفطية. ولما اتضح أن هذا الانخفاض سيستمر، قامت البلدان المصدّرة للنفط بتخفيضات كبيرة في الإنفاق، وهو تحرُّك بدهيّ؛ لأن النفقات العامة كانت قد تضخمت في فترة ارتفاع أسعار النفط. وتشير خطط الميزانية لعام 2016، إلى أن جهود تخفيض العجز ستزداد عمقاً، حيث يتم التخطيط لتدابير تصحيحية كبيرة في عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية.
واستهدفت البلدان بوجه عام تحقيق وفورات في كل من النفقات الجارية والاستثمارية. وتشير الأدلة القُطْرية المقارنة إلى منطقية تعديل فئتي الإنفاق المذكورتين ـــ فمن الملاحظ، على سبيل المثال، أن مستويات الإنفاق الرأسمالي في بلدان الخليج والجزائر وآسيا الوسطى المصدّرة للنفط أعلى من مستويات نظيراتها من الأسواق الصاعدة، وفي الوقت نفسه يلاحظ أن أجور القطاع العام أكبر بكثير في دول الخليج والجزائر، وهو وضع مستقر منذ وقت طويل، في إطار العقد الاجتماعي بين صُناع السياسات ومواطنيهم.
كذلك يستهدف صُناع السياسات أسعار الطاقة المحلية المنخفضة بصورة مصطنعة. فقد جرت العادة على أن تكفل القواعد التنظيمية الحكومية أسعاراً منخفضة للوقود والمياه والكهرباء كجزء آخر من العقد الاجتماعي. ومن ثم، يمثل إصلاح هذه الأشكال من الدعم (التي أفاد معظمها الأثرياء) دليلاً جديراً بالترحيب على التغير الهائل في سياسات البلدان المصدّرة للنفط. واتخذ كل من عُمان والإمارات، ثم قطر في تاريخ أقرب، خطوة أخرى باستحداث التسعير التلقائي؛ حيث تتعدل أسعار الطاقة المحلية تبعاً للمعايير القياسية الدولية. ويتمثل التحدّي القائم أمام صُناع السياسات عبر بلدان المنطقة في تحريك أسعار الطاقة نحو المستويات الدولية على نحو يحد من الأثر الاجتماعي السلبي؛ كأن يتم ذلك من خلال التحويلات الموجهة لشرائح السكان محدودة الدخل على سبيل المثال.

مصادر جديدة للإيرادات
غير أن ضبط الإنفاق ما هو إلا جزء من معادلة المالية العامة في البلدان المصدرة للنفط؛ حيث يشكل إيجاد مصادر جديدة للإيرادات اعتباراً مهماً آخر. وبدأ ظهور عدد من الخطط الواعدة، وخاصة المناقشات الجارية في دول الخليج لتطبيق ضريبة القيمة المضافة. وسيكون هذا إنجازاً كبيراً للمنطقة التي اعتادت الاعتماد بصورة أساسية على الإيرادات المرتبطة بالهيدروكربونات. وبالتوازي مع هذه الجهود، بدأ عدد من دول الخليج زيادة رسوم الخدمات ورسوم المنتجات وضرائب دخل الشركات. ويُلاحَظ أن الضرائب غير النفطية أكثر تطوراً بكثير في بلدان آسيا الوسطى المصدّرة للنفط، ولكن هناك مجال لتخفيض الإعفاءات وزيادة التحصيل.
وحققت بلدان آسيا الوسطى المصدّرة للنفط بعض الضبط غير المباشر لأوضاع ماليتها العامة، عن طريق السماح لأسعار صرفها بالانخفاض. وأدى ذلك إلى رفع قيمة إيرادات التصدير وما يتصل بها من ضرائب بالعملة المحلية. غير أن هذه المكاسب المالية لن تستمر إلا في حالة عدم زيادة نفقات المالية العامة، وخاصة أجور القطاع العام، تمشياً مع انخفاض سعر الصرف.
وأحدث تعديل سعر العملة في هذه الاقتصادات بعض الآثار الجانبية غير المرغوبة أيضاً، بما في ذلك الضغوط التضخمية والمخاوف بشأن استقرار النظم المالية التي تتسم بدرجة عالية من "الدولرة". ولذلك، تواجه بلدان آسيا الوسطى المصدّرة للنفط أيضاً تحدّي تعزيز أطرها المنظمة لسياسات النقد والصرف والقطاع المالي.

الدفع نحو التنويع
لن تصبح الإيرادات النفطية كافية في السنوات المقبلة لكي تمارس الحكومات دور صاحب العمل الرئيس تجاه السكان الشباب المتنامية أعدادهم بسرعة. لذلك، يجب على صُناع السياسات أن يتوصلوا إلى سبل لتشجيع تنمية القطاع الخاص ومساعدة اقتصاداتهم على تنويع الأنشطة بعيداً عن النفط. وتستفيد دول الخليج بالفعل من البنية التحتية عالية الجودة، لكنها تواجه معوقات البيروقراطية والثغرات الباقية في أطرها القانونية والتنظيمية، كما يمكنها إدخال مزيد من التحسينات على جودة التعليم. ويمكن تعزيز جودة المؤسسات في بلدان آسيا الوسطى المصدّرة للنفط والجزائر في عدد من المجالات، بما فيها إنفاذ العقود، والفساد، والحصول على التمويل.

الأكثر قراءة