سليمان السليم .. فقيد السياسة والاقتصاد
فقدت بلادنا يوم الخميس الماضي أحد الرواد المخلصين في مجال العمل الحكومي، الذي أسهم دون ضجيج أو حب للظهور في وضع عديد من أنظمة الدولة وتطوير أسلوب العمل في جميع المواقع التي عمل فيها، وهو الدكتور سليمان بن عبدالعزيز السليم، وزير التجارة ثم وزير المالية.. ولقد عرفت الفقيد في وقت مبكر حينما كنت أعمل في الصحافة، وكان من مصادري الإخبارية التي لا أحتاج إلى إعادة صياغة ما يتحدث به لأنه حديث الواثق مما يقول المتمكن من اللغة العربية.. كيف لا وهو المثقف والكاتب وإن كان مقلا لا يكتب إلا مرات معدودة في العام، لكنه إن كتب في السياسة أو الاقتصاد وثق ما يكتبه توثيق الأستاذ الجامعي الذي درس وقام بالتدريس في أرقى الجامعات عالميا ومحليا، وفي معهد الإدارة العامة حيث أصبح بعض طلابه من خيرة موظفي الدولة الذين تولوا مراكز مهمة في الجهاز الحكومي. ولقد استطلعت آراء بعض من عملوا معه عن قرب طوال عقود من الزمن في مختلف المواقع في القطاعين العام والخاص، فوجدت لديهم إجماعا على أن الفقيد يتصف بنزاهة اليد واللسان والتواضع الجم.. فهو حكيم قليل الكلام لكن رأيه محسوب (كما قال مسؤول اشترك معه في عديد من اللجان والاجتماعات)، وقال آخر (إنه رجل لم تغره المراكز العالية). وأضيف لتلك الأقوال والكل يعلم ذلك: إنه من القلائل الذين تركوا المناصب المهمة باختيارهم. وفي رحلاته للعمل يوم كان وزيرا للتجارة يتقيد بالمواعيد بشكل يثير إعجاب الآخرين الذين تعودوا من بعض الزوار العرب والخليجيين على وجه الخصوص عكس ذلك.. وحتى مواعيد سفره وإصراره على أن يسافر عبر صالة الركاب العاديين والحضور مبكرا للمطار ــ كما قال بعض من رافقه في عدد من الرحلات ــ على عكس من يعتقد أن التأخر مظهر للأهمية التي يدعيها. وحول أسلوبه في العمل يقول أحد من عمل معه إنه دقيق ويتابع يوميا التطورات الاقتصادية العالمية حتى قبل أن تتوافر وسائل الاتصال الحديثة، ثم يعكس ذلك الاطلاع على تطوير القطاع الذي يقوم على إدارته.
وأخيرا، متى سنهتم بالرواد الذين كانت لهم بصمات واضحة في بناء صرح الإدارة والأنظمة لهذه الدولة، بحيث يتم تكريمهم وهم أحياء. ويشكل هؤلاء مجموعة يشهد معظم المعاصرين لهم بأنهم أدوا الأمانة بنزاهة وإخلاص. وبما أنني أخشى السهو عند ذكر الأسماء لعددتهم ومنهم زملاء الدكتور السليم في المرحلة نفسها: وبعضهم وزراء والبعض الآخر في مراكز أخرى وتجمعهم الصفات نفسها من النزاهة والإخلاص، وهما أهم معايير التكريم ليس فقط من الدولة وإنما من المجتمع الذي لديه من المؤسسات الثقافية والاجتماعية والجامعات، ما يمكنه من تبني مثل هذا التكريم كي يشعر من يتولى الوظائف العامة أن المجتمع يتابع ويراقب ويكرم المميزين ويتجاهل من لا يتحمل الأمانة بإخلاص. وليكن تكريم المجتمع مكملا لتكريم الدولة الذي تقدمه مرة كل عام في مهرجان الجنادرية. وفي انتظار أن تعلن مؤسسات المجتمع المدني تكريم أكثر من شخصية في مختلف المجالات ستظل أسماء المستحقين للتكريم راسخة في أذهان من عاصر هؤلاء الرواد، والمؤمل دعم فكرة التكريم للرواد المتميزين عبر مختلف المنابر الإعلامية.
رحم الله الفقيد والتعازي الصادقة للوطن ولأسرته الكريمة.