الثقافة والترفيه .. في الحياة السعودية
قد يتبدى للبعض أن هناك عوائق تعوق المشروع الثقافي والترفيهي الذي سيكون أحد أضلاع "رؤية 2030"، والحقائق الماثلة تقول إنه لا وجود لأي عوائق أمام الهيئة العامة للثقافة والهيئة العامة للترفيه لتنفيذ برامج تحقق الحياة الثقافية والترفيهية الصحيحة.
ونذكر جميعا أن المملكة العربية السعودية نفذت منذ سنوات قليلة مشروع الإصلاح القضائي كخطوة أولى على طريق الإصلاح الديني.
والحقيقة أن إصلاح القضاء كان خطوة مهمة وموفقة على طريق مشروع الإصلاح الديني، وحتى نكون على الطريق الصحيح فإننا في أمس الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات في المؤسسة الدينية شأنها شأن أي مؤسسة حكومية أخرى تحتاج إلى الإصلاح من آن لآخر.
ودعونا نسلم بأن المشروع الثقافي والترفيهي يبدأ من التعليم، لأننا لا يمكن أن نفصل بين الثقافة والترفيه وبين البرامج التعليمية.
ولذلك نستطيع القول إن التعليم الديني في المدارس أو المعاهد يحتاج إلى عمليات تقوية حتى تكون له مناعة ضد التفسيرات المغلوطة وضد التلميحات المراوغة.
إن تسييل ونشر الإسلام الوسطي هو من أهم ركائز إصلاح الخطاب الديني الذي نعنيه، كما أن مبدأ "التعددية" من أهم القضايا التي يجب طرحها بأسلوب يقوم على قبول الآخر، ولفظ مبدأ الإقصاء، كذلك فإن مفهوم الجهاد يجب أن يعلّم على صحيحه وسليمه بما يحقق المصالح العليا للأمة.
ولقد تلمس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الجرح الغائر في الجسد السعودي حينما قال: إننا في المملكة العربية السعودية نؤمن بالوسطية والاعتدال والتعددية والتنوع، ونعترف بأن هناك سنة وشيعة، وكل أطياف الشعب السعودي سواء بسواء أمام القانون، ولا فرق بين سني وشيعي، ولقد طرح جلالته الوسطية والتعددية كخيار مختار، وقال إنه ضد الإقصاء، لأن الشعب السعودي جسد واحد في مملكة تطبق مبادئ العدالة والمساواة.
هذه المبادئ التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حينما تسلم سدة الحكم قبل عام ونيف يجب أن تكون نقطة الانطلاق إلى مشروع إصلاح الخطاب الديني بعيدا عن الإغواء، وبعيدا عن التعصب وإهدار وإنكار حقوق الآخر.
ويجب أن نبدأ عمليات إصلاح الخطاب الديني من المقررات الدراسية، فالمقررات القائمة يسهل تحويرها واختراقها والتلاعب في مفرداتها، فمثلا القول بحرمانية الثقافة والترفيه هو قول لا يقول به إسلامنا الحنيف.
ويجب أن يكون للمجتمع دور مهم في أجندة الإصلاح ونشر الوعي الديني على مبادئ الوسطية والعدالة والمساواة بعيدا عن التزمت والمغالاة.
وإذا كان إصلاح الخطاب الديني يستلزم إجراء تعديلات على المقررات الدينية في دور التعليم، فإن البيت له دور لا يقل أهمية عن المقررات المدرسية، ونؤكد أن التربية المنزلية تسبق التربية والتعليم المدرسي، ويجب على البيت أن يقوم بدوره في التربية، بعيدا عن العنصرية والتعصب وإقصاء الآخر، ومنازلنا مع الأسف تفوح بالدعوة إلى العنصرية والتعصب وازدراء الآخر، فدعوة الأهل إلى الابتعاد أو الاقتراب من الأصحاب والرفاق تقوم على أساس العصبية، وكان يجب أن تقوم على أساس الابتعاد أو الاقتراب من الأخلاق الحميدة والسلوك الأقوم.
دعونا نعترف بأن الخطاب الديني لم ينجح في استثمار طاقات الشباب ولم يطرح الحلول المناسبة لمشكلاتهم، بل بالعكس عمق مشكلات الشباب النفسية والاجتماعية، كذلك لم يقدم للآخرين صورة الإسلام الحضارية المتميزة بقيم الانفتاح والتسامح.
لذلك يلزم أن يكون للمجتمع خطاب ديني وسطي معتدل واضح معلن في متناول الجميع، ويعبر عن ثقافة المجتمع.
وإذا نظرنا إلى كل الأحداث وما يتفرع عنها، فإن الخطاب الديني في الداخل السعودي يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، ولا بد من قبول التعددية المذهبية، لأن ديننا الإسلامي الحنيف يقبل بالتعددية، والله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه العزيز: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وإذا كان هذا هو حال المجتمع السعودي، فإن نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر وعدم الإقصاء والاستبعاد واجبة النفاذ.
إن إشكالية الخطاب الديني تتمثل في تناقض المنظرين والوعاظ وعدم تبني منهج الاعتدال، ولذلك أعود وأكرر بأن واجب مؤسساتنا الدينية أن تضع برنامجا لها وتعلنه وتأخذ موافقة الناس عليه، ويجب أن يعبر هذا البرنامج عن الوسطية والتسامح وقبول كل الأطياف، ولا بد أن يتضمن البرنامج مطرحا واسعا للشباب مع الحرص على توفير الوظائف لهم حتى لا تستغل المنظمات المشبوهة والأشخاص المغرضين فراغاتهم، وغياب مؤسساتنا الدينية عن الشباب يعرضهم للاستقطاب ويعرض أمن المملكة للتطاول.
إن القوة الناعمة المتمثلة في النشاطين الثقافي والترفيهي ضرورة من ضرورات أي مجتمع، وفي أي دولة، والمملكة هي دولة من الدول المستنيرة التي تسعى إلى البناء والتنمية وممارسة كل المكتسبات الثقافية والترفيهية والاقتصادية والرياضية حتى تكون ضمن الدول المتحضرة في هذا العالم الذي نعيش فيه ويعيش فينا.