إيران واستنزاف المنطقة وفرسنتها
دائما ما تختفي الفكرة المركزية التي تمثل الأهداف الحقيقية وراء فكرة ترويجية تمثل أهداف مضللة تداعب عواطف وظروف المستهدفين لجذبهم وكسب تأييدهم ودعمهم لتحقيق الأهداف الحقيقية التي عادة ما تكتشف من الفئات المستهدفة المضللة بعد فوات الأوان، ويسمى البعض هذه المداخل المضللة بالمداخل الاستراتيجية على اعتبار أن الاستراتيجيات تقوم على الدهاء والحيل والتضليل.
الجمهورية الإيرانية استخدمت هذه الاستراتيجية المضللة للتأثير في أتباع المذهب غير السني سواء كان شيعيا أو نصيريا أو غير ذلك في الدول العربية بدعوى نصرتهم كأقليات مضطهدة رغم أن الواقع يقول خلاف ذلك، وأن وضعهم أفضل من أوضاع بني طائفتهم العرب وغير الفرس في إيران الإثني عشرية التي تدعي نصرتهم، كما استخدمت هذه الاستراتيجية لكسب تعاطف أبناء السنة العرب بإدعائها دعم القضية الفلسطينية ودعم تحرير الأراضي المحتلة العربية في لبنان وسورية من خلال دعم حزب الله في جنوب لبنان وحماس في غزة.
لا شك أن الاستراتيجية نجحت في اختراق الكثير من الدول العربية كما نجحت في استقطاب قلوب الكثير من أبناء الطائفتين، حيث اكتسبت التأييد والمباركة من قبل أبناء الطوائف غير السنية في الدول العربية لجهة مناصرتهم في السيطرة على الحكم وعلى مقدرات تلك البلدان وإن كانوا أقلية كما هو الوضع في سورية ولبنان والعراق واليمن، ومن قبل أبناء السنة لجهة مواجهة إسرائيل ومساندة الفلسطينيين خصوصا في صيف عام 2006م عندما واجه حزب الله العدوان الإسرائيلي الذي كشفت الأيام زيفه.
هذا النجاح الذي تطلب سنوات طويلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان والذي بات يتبجح به المسؤولون الإيرانيون بالسيطرة على أربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت أيقظ الكثير من الدول العربية وعلى رأسها السعودية بالتعاون مع دول الخليج والتحالف العربي والإسلامي حيث انكشفت الخديعة وباتت اللعبة الفارسية مكشوفة خصوصا بعد أحداث الثورة السورية التي يسميها البعض بالفاضحة التي فضحت المخطط الإيراني وأذنابه من المليشيات الطائفية التابعة له في العراق وسورية ولبنان واليمن التي عادة ما تتستر في دولها بستار وطني وإن كان لا يغطي سوءتها حيث كشفه الصغير قبل الكبير إلا أنه مع الأسف الشديد كانت اليقظة متأخرة بعض الشيء، حيث تجذر مشروع الفرسنة في بلادنا العربية وأصبحت تكاليف خلعه من جذوره تكاليف باهظة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وما زاد الطين بلة أن هذا المشروع الصفوي الفارسي الذي يستهدف السيطرة على البلاد العربية وإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية على حساب الكيانات العربية أصبح بمثابة ثقب أسود يستنزف الطاقات والجهود والأموال والرجال في الدول العربية التي اكتوت بناره بشكل مباشر أو غير مباشر وبشكل عميق أو بشكل سطحي الأمر الذي سيكون له انعكاسات سلبية على تحقيق الأهداف التنموية في تلك الدول، حيث تعاني بعض الدول كسورية دمارا شاملا لحق بها نتيجة التدخل الفارسي والميليشيات التابعة له، في حين لحق بالأخرى كالعراق واليمن ولبنان جمود تنموي مصحوب بارتفاع هائل في البطالة والفقر والتضخم والتفكك وفقدان الأمن واضمحلال في مصادر الدخل كالصادرات والسياحة وغيرها، وباتت دول الخليج تدفع المليارات لوقف المد الفارسي في اليمن وسورية.
وللقضاء على هذا الثقب الأسود الذي يستنزف الموارد والطاقات ويهلك البشر والزرع والضرع والحرث، بات لزاما التفكير ببدائل بالغة التأثير لاستنزاف موارد وطاقات هذا المشروع والقائمين عليه، بدائل تساند الجهود العسكرية التي تبذلها دول التحالف العربي والإسلامي لتتكامل الجهود والطاقات وتتجه نحو تحقيق الهدف الاستراتيجي المنشود المتمثل بإعادة الحية إلى جحرها لتنشغل بنفسها وبأعدائها في الداخل وخصوصا أن العرق الفارسي يضطهد بقية الأعراق ويزدريها ويعاملها بالحديد والنار، إضافة لما يعانيه الفرس الليبراليون من الفرس المتشددين الذين سيطروا على مفاصل الدولة ومقدراتها ووجهوها لتحقيق أهدافهم أو أمراضهم الطائفية وما ورائها من أمراضٍ عرقية.
ومن وجهة نظري فإن أهم ما يجب أن نفكر فيه توعية العرب من أبناء الطائفتين داخل الدول العربية وداخل إيران وخصوصا من غير السنة بالمشروع الإيراني ومخاطره على استقرارهم وأمنهم والمستوى المعيشي الذي ينعمون به والمعاملة الحسنة التي يتلقونها كمواطنين وإن بدا لهم معاملات تفضيلية لغيرهم في بعض الأحيان خارج إطار القانون والنظام وهي أمور معتادة في كل الدول بما في ذلك الدول المتقدمة حيث يتم التفضيل والتعنصر من البعض على أسس متعددة منها العرقية والمناطقية والطائفية والقبلية إلى غير ذلك رغم محاربتها على المستويين الرسمي والشعبي.
ويجب أن تكون التوعية من خلال وسائل مقبولة غير متحيزة لطائفة ضد أخرى، ومن شخصيات مسؤولة محايدة مقنعة ذات فكر وطني صادق، ومن الطوائف والمناطق والقبائل والعائلات كافة على أن تشمل التوعية تفصيلا دقيقا للمشروع الإيراني لفرسنة المنطقة وتدميرها كما هو حال الأقاليم الإيرانية غير الفارسية التي تعاني الأمرين كحال إخواننا الأحواز من السنة والشيعة دون تمييز، كما يجب أن تشمل التوعية فضخ الخداع والأفلام المنتجة والمعالجة بالفوتوشوب والمونتاج والحسابات الاجتماعية التي تؤجج الفتنة وتحشد النفوس وتدفعها للاصطفاف والاقتتال تحت رايات تاريخية سياسية مزورة لا ناقة لنا بها ولا جمل.
ختاما، يجب علينا أن نعترف بأن إيران تتجه لفرسنة المنطقة كهدف استراتيجي طويل المدى بالتزامن مع استنزاف دول المنطقة ماليا وبشريا على المديين القصير والمتوسط وتستخدم طاقاتنا العربية لتدميرنا. وعلينا أن نواجه ذلك بدهاء وبجهود عسكرية وثقافية واجتماعية وسياسية متزامنة وبفكر إبداعي غير تقليدي لنقطع دابر الأفعى لتنشغل بالمعارك التي تدور في جحرها.