رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ذاكرة مشوشة في معالجة البطالة

في 24/12/2012، صرح وزير العمل بأن فرض الرسوم المقررة بـ 2400 ريال عن كل عامل "سيخرج العمالة الرديئة من السوق، وسيسهم في إنعاش المؤسسات الصغيرة، والمؤسسات الأخرى، ويحقق زيادة أرباحها". مع الأسف، صرح "الواقع" بتصريحات معاكسة، فذكر أن التأشيرات ارتفعت، وزادت الحوالات؛ من 125 مليارا في عام 2012 إلى 157 مليارا في عام 2015. الواقع لا يجامل. كما أظهر تقرير لصحيفة "الرياض" 3/6/2013 أن قرار رفع الرسوم نتجت عنه سوق سوداء للعمالة الأجنبية السائبة، إذ رفعت قيمة أجورها اليومية بشكل مبالغ فيه، ما أدى إلى تشجيع المزيد من العمالة على التسرب من المؤسسات التي يعملون فيها والعمل لحسابهم الخاص، وحذر التقرير من أن الاستمرار في تطبيق القرار سيؤدي إلى إفلاس بعض المنشآت الخاصة وخروجها من السوق. نتيجة عكسية لمنطوق التصريح؛ كلمة كلمة.
في التصريح نفسه ذكر الوزير "أن نسبة تأثير تطبيق القرار على زيادة الأسعار لن تتجاوز 0.5 في المائة وأن الفائدة التي سيجنيها المجتمع من تطبيق القرار لن تسهم في خسارة التجار، بل ستحقق لهم ربحا يتجاوز النسبة الضئيلة للخسارة مقابل الأرباح التي يحققها التجار، وأنهم سيسهمون في تخليص المملكة من معضلة البطالة وما يتبعها من مشكلات كبيرة". موضوع زيادة الأرباح للتجار رغم فرض مزيد من الرسوم قضية كيماوية أجهل آليتها، ولكن فيما يتعلق بالأسعار، الحقيقية التي نعرفها جميعا أنها طاشت، وكتب الاقتصادي فهمي محمد صبحه في "عكاظ" 16/11/2013 (بعد عام من التصريح) "اشتد الشعور بالضيق لدى الكثير من العائلات في المملكة من ظاهرة الارتفاع المستمر للأسعار"، ويذكر ـــ صراحة ـــ أن من الأسباب المباشرة لارتفاع الأسعار "رفع رسوم الإقامات إلى 2400 ريال". في تقرير لقناة "العربية" في 20/6/2013 ذكر "أن العديد من أسعار السلع الغذائية في السعودية ارتفع بنسب متفاوتة خلال الفترة الماضية زادت على 15 في المائة". وفي التقرير نفسه ذكر المراقب الاقتصادي، عبد الرحمن القحطاني، أن مؤشر الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة شهد ارتفاعا خلال أيار (مايو) الماضي بنسبة 3.8 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، تقرير صحيفة "الرياض" المشار إليه آنفا ذكر أن الرسوم أدت إلى زيادة تكلفة التشغيل والصيانة، ولذا تم تعويض تلك الزيادة عن طريق رفع التكلفة على المواطن.
النتائج وخيمة. هكذا تقول الوقائع والحقائق اللاحقة على فرض الرسوم. ولكن يبدو أن استفحال مشكلة البطالة أعمانا. فصرنا نرغب في توظيف أي سعودي في أي وظيفة حتى لو أصبحت التكلفة أكبر من المنفعة. يبدو أننا نريد أن نهدم كل البيت لأجل ريشة. وعلى الرغم من الأرقام والوقائع المخيبة للآمال من رفع الرسوم على العمالة، نقلت الصحف 6/4/2016 اقتراح وزارة "العمل والتنمية الاجتماعية" لمجلس الشورى بزيادة الرسم الإضافي المفروض على توظيف العمالة الأجنبية من 240 ريالا شهريا إلى 1000 ريال شهريا! وهذا يظهر أن متلازمة "فرض مزيد من الرسوم" مستشرية؛ الوزارة متورطة في مشكلة أكبر من قدراتها ولا تملك الكثير من الوسائل أو الأدوات الفاعلة، ولم يتبق لديها إلا زيادة الأعباء المالية مرة تلو الأخرى، على أمل "لعل وعسى". وأظنها لم تجد ممانعة ذات عظم، فاستمرأت هذا الإجراء، المكلف اقتصاديا، وغير المنتج عمليا كما تقول القراءات والأشعة الأولية؛ وإن كان عند الوزارة شيء آخر يعضد تلك الرؤية فلتعلنه، فكلنا في قارب واحد ونجاح الوزارة هدف الجميع.
أعتقد أننا نواجه مشكلة منهجية في حاجة إلى توقف جاد وليس مرورا بذهن شارد. نقوم بخطوة ولا نراجع ما يحدث بعدها. بل ننتقل للخطوة التالية. لدينا اعتداد وثقة بالنفس مشبعة بإفراط في كوليسترول الصوت الأوحد. ولأنه لا توجد متابعة / محاسبة / رصد لما حدث بعد رفع الرسوم السابقة، فالافتراض النرجسي أن الوزارة لا تخطئ. وبالتالي، لا يتبقى إلا مزيد من الانغماس في المغامرة. قياس النتائج الذي يفترض بموجبه أن ننطلق للخطوة التالية: مفقود! ولكن لنتذكر ولو لمرة واحدة أن ارتكاب الأخطاء نفسها مرة تلو المرة، لا يعني أن النتيجة ستتغير يا سادة .. لنكابر ولنتكابر عن الواقع لكن في وقت ما ـــ أتمنى ألا يكون متأخرا ــــ سنكون مرغمين على العودة والجلوس معه على طاولة المفاوضات والتفاهم معه على حلول واقعية ممكنة لا مجرد تنظيرات البوربوينت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي