ما المعوقات التي تحد من كفاءة السوق المالية؟
ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن سوق المال وعاء استثماري جيد للمستثمر الصغير إذا روعي فيها عدد من القواعد التي تشعر المستثمر بالأمان والثقة. وتعد السوق المالية السعودية "تداول" أكبر الأسواق العربية من حيث القيمة السوقية، فقد بلغت أوجها خلال الفترة من 2003 إلى بداية عام 2006 عندما وصلت قيمتها السوقية إلى 834 مليار دولار حسب المعلومات المنشورة في موقع تداول. وتنشر السوق مؤشرها الرئيس TASI الذي يغطي كامل السوق، وقطاعاتها الرئيسة، ويتم حسابه بناء على جميع الأسهم المتداولة وغير المتداولة.
ورغم كل ما قدمته الجهات السعودية المعنية بتنظيم السوق المالية فإن هناك عزوفا عن الاستثمار من قبل المستثمرين الأفراد خلال السنوات الأخيرة ما يدل على أن هناك حالة من الشك وعدم الثقة بالسوق. وقد بدأ هذا يظهر نهاية 2008 إبان بزوغ الأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على الأسواق المالية، ومنها السوق السعودية.
وموضوع كهذا يحتاج إلى وقفة وتساؤل ودراسة حول اتجاهات المستثمرين نحو الاستثمار في السوق المالية بشكل عام والسوق السعودية بشكل خاص. ولكي تتضح الصورة أكثر نحتاج إلى معرفة أمرين. الأمر الأول ينبغي معرفة الأسباب الحقيقية التي تدفع المستثمرين نحو الاستثمار في السوق المالية، والأمر الثاني معرفة المعوقات التي تحد من كفاءة السوق. من خلال هذين المحورين يتضح لنا الفجوة بين ما كان متوقعا في ذهن المستثمر وما هو بالفعل قائم.
وخلال بحثى في هذا الموضوع من أجل كتابة مقال اليوم اطلعت على دراسة استطلاعية على عينة صغيرة من المستثمرين في الأوراق المالية وأخرى من غير المستثمرين في عدة اقتصاديات تقيس هذه الاتجاهات وهي أشبه ما تكون بدراسة نظرية تحتاج إلى دراسة ميدانية.
ذكرت هذه الدراسة عدة عوامل "أسباب" تدفع المستثمرين نحو الاستثمار في الأوراق المالية من سندات وأسهم في أي سوق كان. الدافع الأول حسب ما بينته الدراسة هو أن المستثمر يفترض أن السوق المالية تحقق عائدا مرتفعا في فترة قليلة ويرى أن سبب ذلك يرجع إلى اعتقاده أن سوق الأوراق المالية تطبق معايير الاستثمار الاحترافي الذي يؤدى إلى استقرار السوق المالية لأن المستثمر يفترض أن السوق تخضع لمعايير السوق الحرة التي يحكمها العرض والطلب. كما يتوقع المستثمر كذلك أن إصدار وتداول الأوراق المالية مبني على لوائح و قواعد محددة سلفا وهناك تنفيذ دقيق للعقود. هذه أهم الدوافع وهناك دوافع أخرى لا يتسع المكان لذكرها.
ولكن معرفة الدوافع لا تكفي لقياس كفاءة السوق المالية بل لابد من معرفة المعوقات التي تواجه المستثمرين وتحد من كفاءة السوق.هذه المعوقات تتم معرفتها من أولئك المستثمرين الذين لهم تجربة في أكثر من سوق مالية. من خلال هذه الدراسة على عينة صغيرة من المستثمرين الذين تعاملوا مع عدة أسواق مالية تبين أن أهم عائق يقف أمام صغار المستثمرين في سوق الأوراق المالية هو طول إجراءات البيع و نقل الملكية للأوراق المالية، وقد يكون سبب ذلك الوقت الطويل في تنفيذ علميات البيع والشراء. يرى المستثمرون كذلك أن إجراءات التداول لا تتصف بالشفافية نتيجة انخفاض دور لجان التفتيش التابعة للجهات الرقابية في وضع الضوابط والضمانات لضبط آليات العمل داخل البورصة وتبين أن هناك بالفعل محاباة لبعض الشركات العاملة في البورصة دون الأخرى ما يؤدي إلى تحكم كبار المستثمرين في السوق. كما بينت الدراسة أن صغار المستثمرين متخوفون من أن سوق الأوراق المالية عاجزة عن الارتباط بالأسواق العالمية، إضافة إلى النقص في الأسهم المعروضة. كما ترى عينة الدراسة أن هناك صعوبة في تكوين وإدارة محافظ صغار المستثمرين ولا يوجد مكاتب متخصصة تقدم خدماتها لهم.
هذه هي أهم الدوافع التي تدفع المستثمرين في أي سوق مالية وتلك هي المعوقات التي تقف وتحد من كفاءة السوق لذا على السوق المالية السعودية أن تحدد موقعها؟ وأين هي من كل هذا؟ وهل تعرف مثل هذه الدوافع؟ وهل اطلعت على تلك المعوقات؟ وإن عرفتها فهل تأخذها مأخذ الجد؟ نريد من هيئة سوق المال أن تكون أكثر مهنية وتبتعد عن الارتجالية والعشوائية، وأن تنظر إلى الموضوع نظرة علمية وتخضع كل أعمالها للأبحاث والدراسات وتسخر الباحثين والمهتمين بالتمويل والاستثمار وتوجههم إلى هذا الميدان، وأن تختارهم بعناية فليس الكل مؤهلا أن يبحث ويحلل في مجال الأوراق المالية.
الذي يحدث في هذا المجال لا يخرج عن كونه تحليلا ماليا هزيلا أشبه ما يكون بالتكهنات يضل المستثمرين أكثر من أن يرشدهم يقدمه مجموعة من المتسلقين لهذا الميدان جميعهم غير متخصصين في مجال التمويل والاستثمار. ونحن نتعجب من ترك هؤلاء يديرون الأحداث المالية دون أدنى حد من البيانات وإن وجدت فغالبيتها بيانات مضللة تقود بالطبع إلى وجهات نظر غير دقيقة. يجب أن تعلم هيئة سوق المال أن المتخصصين في هذا المجال هم رجال التمويل والاستثمار القادرين على التحليل المالي والتنبؤ بالمستقبل بشيء من الحرفية. أما المتسللون من أهل المحاسبة والتسويق ومن يطلق عليهم خبراء التحليل المالي فليس لديهم القاعدة المعرفية الكافية التي تؤهلهم لتحليل وتقييم السوق فكل ما لديهم لا يختلف كثيرا عن تحليل أي مستثمر يحكم على الوضع لمجرد اللون الأحمر والأخضر وهؤلاء هم جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل.
نحن ننتظر من هيئة سوق المال أن تتعرف على الدوافع التي تدفع المستثمرين للاستثمار في السوق المالية السعودية، وكذلك المعوقات التي تحد من كفاء السوق بطرق علمية وباحثين أكفاء متخصصين، ولتتخذ من هذه الدراسة قاعدة انطلاقة لها فزمن العشوائية قد ولى.