رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


وزارة الاقتصاد والتخطيط و«الأوقات الحرة»

يختلف الوقت الحر عن وقت الفراغ لسبب منشئه فالوقت الحر هو وقت يحصل عليه الإنسان كحق من حقوقه في اليوم والأسبوع والشهر والسنة مقابل بذله وقته في الدراسة أو العمل أو أداء الأعمال الشخصية أو الأسرية أو المجتمعية المهمة وهو بخلاف وقت الفراغ الذي ينشأ عن انعدام الدراسة أو العمل أو المساهمة في أعمال الأسرة أو المجتمع، وبالتالي فالوقت الحر ـــ كما يقول الباحث في المعهد الجامعي للبحث العلمي في جامعة محمد الخامس في الرباط الدكتور عبد الفتاح الزين ـــ هو وقت ثمين وحق مكتسب ليوفر للإنسان ظروفا أيسر لإمكانية الاستمتاع والحميمية وتحقيق الذات بعيدا عن كل أنواع الإكراه وأشكاله.
وعادة ما يبحث الإنسان عن الترفيه في الأوقات الحرة للترويح عن نفسه من عناء الدراسة والامتحانات أو من عناء الأعمال وتكاليف الحياة الاجتماعية، ويتفاوت الناس حسب أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في الاستفادة من الوقت الحر لتجديد طاقاتهم العقلية أو الجسدية والتخلص من الإرهاق والتوترات والضغوط النفسية التي تنشأ عن قيامهم بأعمالهم وواجباتهم. والترفيه مجال واسع يمكن الحصول عليه في المنزل أو الحي أو المدينة بالقراءة الحرة أو المشاهدة أو الاستماع أو ممارسة الألعاب الإلكترونية أو الرياضية أو مرافقة الأصدقاء والأحبة في الأماكن الترفيهية والسياحية المتعارف عليها في الحدائق أو المقاهي أو المجمعات التجارية أو المدن الترفيهية أو المشاركة في الرحلات الجماعية، إلى غير ذلك من الوسائل الترفيهية الترويحية.
الأوقات الحرة في اليوم أو الأسبوع أو السنة التي يحصل عليها الطلاب والموظفون أوجدت طلبا هائلا ونوعيا على المنتجات والخدمات الترفيهية الترويحية، حيث باتت الأنشطة الترويحية للإنسان في ظل ضغوط الدراسة والعمل وتكاليف الحياة المتعبة والمضنية في حكم الضروريات لا الكماليات، الأمر الذي ولد سوقا كبيرة ومتنامية للخدمات الترفيهية والترويحية، حيث تنشط على سبيل المثال المقاهي والأندية والمراكز الرياضية والأسواق والحدائق والمطاعم في فترة العصر حتى منتصف الليل حيث ينعم الطلاب والموظفون في الغالب بأوقاتهم الحرة بشكل يومي، كما تنشط بشكل كبير وفي معظم الأوقات في إجازة نهاية الأسبوع وكذلك في الإجازة الصيفية.
بطبيعة الحال لا يقلق المسؤولون في الدولة في المؤسسات التربوية والأمنية وغيرها، كما لا يقلق أرباب الأسر من الأوقات الحرة التي تتاح للموظفين باعتبارهم بالغين ويعرفون كيفية استثمارها دون أن يكونوا فريسة للمتربصين بهم، في حين يقلقون بشدة على صغار السن والشباب في المراحل الدراسية كافة بما في ذلك مراحل التعليم العالي حينما تتهيأ لهم الأوقات الحرة خصوصا الأوقات الحرة الطويلة في فترة الصيف التي تمتد أحيانا لأكثر من ثلاثة أشهر كما هو حال الإجازة الصيفية لهذا العام في بلادنا.
يأتي سبب القلق لكون هذه الأوقات قد تكون سببا في تشكيل منعطف خطير في حياة الطفل أو الشاب إذا وقع فريسة للمتربصين من أصحاب الفكر الضال والمجرمين من مروجي المخدرات والمسكرات أو فريسة لأصدقاء السوء وأصحاب الأخلاق الدنيئة السيئة وهو أمر متوقع خصوصا في ظل ضعف الوعي لدى الأطفال والشباب وكثير من أولياء الأمور بالمخاطر التي تحدق بهم أو بأبنائهم ممن يرون فيهم سوقا لبضائعهم أو وسيلة لتحقيق رغباتهم وشهواتهم، ولذلك تعمل الدول على تهيئة البيئة السلمية التي تمكن الأطفال والشباب من الاستثمار هذه الأوقات الحرة بما يحقق لهم المتعة والترويح عن النفس بالتزامن مع الاستفادة النفسية أو الاجتماعية أو الصحية أو الأمنية أو بعض ذلك أو كله.
يقول لي أحد الأصدقاء كنت أحمد الله على الألعاب الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعية وما تطرحه من مواد ترويحية تشغل الكثير من أوقات أبنائنا الحرة وتجعلهم يمضون ساعات طويلة في المنزل أمام أعيننا وتجنبهم مخالطة من لا نعرف خارج المنزل، حتى علمت أن الخمول المتزامن مع الإكثار من الوجبات غير الصحية ذو أثر سلبي شديد في صحة الأبناء ونشاطهم وحيويتهم، إضافة لآثارها السلبية في منظومة قيمهم ومفاهيمهم بل حتى سلوكياتهم الأخلاقية واحتمالية انجرافهم وراء تيارات متشددة أو متحللة دون وعي.
ويبدو لي أن هذا حال معظم أولياء الأمور حيث باتوا قلقين من طريقة استثمار أبنائهم لأوقاتهم الحرة، حيث يقضي الكثير منهم أكثر من عشر ساعات يوميا في ممارسة الألعاب الإلكترونية بشكل منفرد أو ضمن مجموعات من خلال الإنترنت في حين يقضون الأوقات الباقية لمشاهدة مقاطع اليوتيوب والأفلام والتواصل الاجتماعي مع الأصدقاء وغيرهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية، وبحسب علمي فإن معظم أولياء الأمور يعاني ندرة الخدمات الترفيهية الترويحية في الأحياء التي يمكن للأطفال والشباب الوصول إليها دون وسيلة نقل حيث ندرة الملاعب والمراكز الرياضية والأندية الصيفية والحدائق العامة في أحيائنا بشكل عام.
ولمساعدة أولياء الأمور وتمكين أبنائهم من استثمار أوقات الحرة بما هو نافع ومفيد تطلق الكثير من الجهات الحكومية والمدنية والخاصة أنشطة وبرامج ترفيهية متعددة يرتادها الكثير من الناس ويحجم عنها الكثير في الوقت ذاته لضعف الوعي بماهيتها وأهميتها ومردوداتها، في حين لا يرتادها البعض لعدم معرفتهم بها وبمواقعها وأوقاتها أو لأسباب تتعلق بضعف المقدرة المالية أو المقدرة على الوصول إليها، الأمر الذي يتطلب جهودا تنسيقية بين جميع الجهات الحكومية على سبيل المثال خصوصا وزارة التعليم، وأمانات المدن، والأندية الرياضية، ومكاتب هيئة الرياضة، وغيرها للتعريف بالأنشطة الترفيهية والترويحية التي يقدمونها ماهية وأهمية ومواقع وشروطا ومتطلبات.
ختاما لدى أولياء الأمور وأبنائهم طموحات كبيرة لاستثمار أوقاتهم الحرة خصوصا في إجازة الصيف الطويلة بما يروح عنهم وينفعهم لتنمية قدراتهم ومهاراتهم وينعكس إيجابا على حالتهم الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وكلنا ثقة أن وزارة الاقتصاد والتخطيط ستضع قضية الأوقات الحرة للشباب على رأس اهتماماتها وأولوياتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي