لِمَ نسي البشر أهم ما لديهم؟

جاءني سؤال بالتويتر من حميدة أحمد وهي متخصصة سودانية بعلم النفس وتعمل في الخليج، وبرأيي أن السؤال مهم وإجابته تطلبت تخصيص مقال له، ولا يكفيه مقال فلربما تابعت بالتويتر عن طريق وسم #رشقات_ معرفية.
والسؤال هو: “أود الإجابة عن هذا الاستفسار حسب ما تراه، هل يمكن للإنسان إهمال أهم ما لديه؟”.
وأقول للأخصائية حميدة: نعم وحدث. ولكن أود استئذانك في توطئة مختصرة عن الدماغ البشري:
الدماغ البشري لا شيء يشبهه في بقية الأعضاء فهو فريد في كل شيء. وزنه كيلو وأربعمائة جرام، متموج متلفف من اللحم الرهو الذي هو بمظهره شيء بين الجلي والمحلبية. والدماغ بحجم ثابت فهو لا يتمدد وينكمش كالرئة، ولا هو يضخ كالقلب، وعندما تنظر إليه تشريحيا ترى سكونا وكأن لا شيء يجري به على الإطلاق.
وتلك الصفة بالذات، أي المظهر الساكن بدا المخ بليدا بلا فائدة عند الفراعنة من مئات القرون لذا عند عمليات تحنيط موتاهم فهم أول ما يبدأون برمي المخ خارجا وكأنهم يتخلصون من زوائد لا أهمية لها ولا قيمة وأن الجثة المحنطة لملك أو أمير أو وجيه لا يليق أن تبقى بجثته هذه الكتلة البليدة الرخوة لتبقى الجمجمة نظيفة ومهوية. بينما كان أولئك المصريون القدامى يهتمون بالقلب بعناية دقيقة فائقة لأنهم كانوا يعتقدون إن مصدر التفكير والأحاسيس والمشاعر والصحة والحكمة يأتي من القلب. وليس بعيدا عنهم الحضارة المتطورة في التأريخ القديم وهم الإغريق، قدامى اليونان، فيلسوفهم الأول والأهم أرسطو لم يقم للدماغ أمرا معتبرا، وإذا طرأ على ذهنه قال: “إيه، إنه لا يعدو عن كونه مبردا للدم (يعني مثل الرادياتور بالسيارة)”.
طيب فلنترك أولئك الموغلين بالقدم، ونطير عبر نفق الزمن قرونا بعد قرون ونصل للمفكر وفيلسوف فرنسا الرياضي الفيزيائي الأشهر رينيه ديكارت فهو لم يعط الدماغ أهمية ذات اعتبار غير كونه “أنتينا”، واسطة كي تتواصل الروح بالجسد. وبعده بأزمان ليومنا الحاضر لنكتشف بدائع هذا الدماغ وإعجازه، ولكي ندرك أنه بمائة مليار خلية عصبية مهمته الأساسية أن نبقى أحياء ونتواصل مع الكون خارجنا، وخارج كوكبنا وحتى خارج مجرتنا.
ومن طرف آخر هؤلاء الذين يتبرعون بإهمال عقولهم بتدويخها بالمسكرات الكحولية ويعطلونها بالمخدرات وهي أكبر عملية إهمال وتعطيل للعقل في تاريخ العقل البشري.
ويمكن أن نهمل أيضا من فرط الحب والتعلق: إحدى فتياتنا تشتهر بالتعلق بأطفالها، رزقت أخيرا بمولود أولته حبا وتعلقا أكبر، ولما ركبت السيارة عائدة لبيتها، تذكرت فجأة أنها نسيت رضيعها في بيت أمها.. إي والله!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي